الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد عقد القران أشعر بنفور من الخاطب وأرغب بالانفصال، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة خطبت منذ أكثر من شهرين لشاب يعمل معي، لكن لم يسبق لي أن صادفته أو تحدثت معه من قبل، وعلمت لاحقًا أنه كان يراقبني منذ أكثر من ستة أشهر، ثم قرر التقدُّم لخطبتي، ولا أعلم ما الذي حدث أو كيف جرت الأمور، فعندما جاء، جلست معه وسألته عن الأمور التي تهمّني، ووجدته موافقًا على أغلب طلباتي، فصليتُ صلاة الاستخارة، وخلال أسبوع تم عقد قراننا.

لكن قبل عقد القران، انتابني شعور بالحزن، ودخلت في نوبة بكاء شديدة، وأخبرت والدتي: إنني لا أريد الاستمرار، لكن لم يستمع إليّ أحد، ولم أكن سعيدة أبدًا.

وبقيت بعد الخطبة على نفس الحال من الاكتئاب والعزوف عن الطعام، حتى إنني فقدت أكثر من ثمانية كيلوغرامات خلال فترة قصيرة، لا أستطيع تقبّله مهما فعل، رغم أنه يحبّني كثيرًا، ويرى أنه حصل على كنز بارتباطه بي، فهو يعلم كم من الأشخاص تقدّموا لخطبتي من نفس مكان العمل من قبل.

هو -والحمد لله- يُصلّي ويصوم، لكنه ليس على مستوى التدين الذي كنت أحلم به.

لا أحب النظر إلى وجهه، وشخصيته تختلف تمامًا عني، بالكاد أجد شيئًا واحدًا نتفق على حبه، لديه صفات أكرهها، مثل: التكبر على الناس، والتقليل من شأنهم لإبراز نفسه، الجميع في نظره، لا يمكن الوثوق بهم، ويسيء الظن كثيرًا، بينما أنا على العكس تمامًا.

كما أنه مفرط في شهوته، يتقرب مني ويفعل ما يشاء رغم رفضي، وقد أخبرته أنني لا أرغب في هذا التلامس الكثير، وأنني غير مرتاحة، لكنه لا يستمع إلي، ويتصرف أحيانًا بغير وعي، حتى أصبحت أكره التواجد معه في نفس المكان، وأشعر بالخوف من دخول أهلي في أي لحظة.

أفكّر كثيرًا في الانفصال، فهذه ليست العلاقة التي كنت أحلم بها، فأنا ملتزمة بلباسي الساتر، وبأداء فروضي، وأُقبِل على تعلّم العلوم الشرعية، فالجميع يشهد لي بحسن الخلق، وكل ما كنت أتمناه رجلًا على قدر من التدين، يأخذ بيدي إلى الجنة.

لكنني اليوم، لست مرتاحة ولا سعيدة، شاردة الذهن طوال الوقت، ولم أعد أتعبّد كما كنت في السابق، أشعر أنني أفقد نفسي، وأخشى اتخاذ قرار أندم عليه لاحقًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Salma حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لكِ الاهتمام وحرصكِ على السؤال، ونسأل الله أن يُقدّر لكِ الخير، ثم يُرضيكِ به، ونشكر لكِ التواصل مع الموقع، وحسن العرض للموضوع.

لا نؤيد الرفض لهذا الشاب الذي أتى داركم من الباب، وقابل أهلكِ الأحباب، جاء بعد مراقبة وتعرّف عليكِ، ونحمد الله أن الأمور صارت في بدايات صحيحة، ويبدو أن الأمر في البداية كان فيه انشراح وارتياح وقَبول، ثم حصل التغيّر بعد ذلك، والتغيرات التي تحدث بعد ذلك للشيطان دَخْلٌ فيها؛ لأن الشيطان لا يريد الحلال، فإن الحب من الرحمن، والبُغض من الشيطان، يريد أن يُبغّض لكم ما أحلّ الله لكم.

ولذلك أرجو أن تتوقفي طويلًا قبل رفض هذه العلاقة، وتعوّذي بالله من الشيطان الرجيم، واعلمي أن أسرتكِ لا تريد لكِ إلَّا الخير، وهذا الشاب الذي لم يتحدث معكِ، وكان مراعيًا للآداب، ومُراعيًا للأخلاق، ثم جاء بهذه الطريقة الصحيحة، واستجاب لكل الشروط، كما أشرتِ إلى أنه كل ما طلبتِه وافق عليه، والأمور تمت بسهولة؛ كل هذا يُعطي مؤشرات على إمكانية النجاح بتوفيق ربنا الكريم الفتّاح.

واعلمي أن الانزعاج الذي يحصل في مثل هذه الظروف، قد تكون له أسباب، منها رغبة الفتاة في عدم الخروج من بيئتها التي أَلِفَتها، كذلك رهبتها من تحمّل مزيد من المسؤوليات، كونها تدخل إلى عالم مجهول.

يعني هذه كلها أمور تُعدّ طبيعية، كونها انتقلت من مرحلة العاطفة إلى مسألة المسؤولية، وأن عليها ستكون مسؤوليات، وربما كانت في بيتها مسؤولياتها محدودة، أمَّا الآن: فهي مسؤولة عن رجل، وعن حياته، إلى غير ذلك من الأمور التي تتراكم وتُحدث بعض الإشكالات.

أمَّا ما يحصل منه بعد العقد من محاولة للتقرّب، وزيادة في القرب، كل هذا بلا شك طبيعي؛ لأنه يعتقد أنه قد عقد عقد القِران، وأنتِ زوجة له، لكن في مثل هذه الأحوال، فعلًا لا بد من الاستعجال بإكمال مراسيم الزفاف، لأن هذه العلاقة لا تزال في طور بناءٍ لم يكتمل، فأنتِ لم تذهبي إلى داره، ولم تكوني معه في مكان واحد، فعليه إن كان مستعجلًا لهذا الجانب أن يُكمِل المراسيم بسرعة، فإن هذا ما يعينه على إكمال هذا المشروع، ومن ثم استقراره؛ لأن الصورة تتغير بعد الزواج.

ولذلك أرجو إبعاد القناعات السلبية التي تكونت عندك، واعلمي أننا -معشر الرجال وكذلك معشر النساء- جميعنا بشر، والنقص يطاردنا، فلا يمكن للفتاة أن تجد شابًا بلا عيوب، ولا يمكن للشاب أيضًا أن يجد فتاة بلا نقائص.

وإذا كنتِ قد رددتِ عددًا من الخطّاب، فهذا يعني أن ردّ هذا الخاطب -بعد أن وصلتِ إلى هذه المرحلة- لن يكون في صالحك. أنتِ في مقام بناتنا وأخواتنا، ولا نريد أن نكرر ردّ الخطّاب؛ لأن هذا مؤشر ليس في مصلحة الفتاة أبدًا، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يُعينكِ على الخير.

الذي نشير إليه: ضرورة أن تستحضري إيجابياته، والجوانب المشرقة في شخصيته، وتذكّري مجيئه لداركم من الباب، وحرصه على أن تكون العلاقة شرعية، يعني هذه الأمور كلها مؤشرات إيجابية، ونحن في زمان قلَّ فيه مَن يأتي مِن الباب، ويأتي للفتاة ويخطبها بعد أن يراقبها، ويختارها، وينتقيها من بين آلاف النساء، وكذلك أيضًا كونه حريصًا على حبكِ وإسعادكِ.

ما أشرتِ إليه من سلبيات فيه كما قلنا: مَن الذي ما ساء قط؟ ومَن الذي له الحسنى فقط؟ نسأل الله أن يُعينكِ على الخير، واحتسبي الأجر والثواب في إصلاح ما عنده من خلل، وكوني عونًا له على الطاعة.

هذا ما نراه ونميل إليه، والذي يتضح لنا أن العائلة أيضًا تميل في هذا الاتجاه، وأهل الفتاة هم أعرف الناس بمصلحتها، والرجال أعرف بالرجال، ونسأل الله أن يُقدّر لكِ الخير، ثم يُرضيكِ به، ونسأل الله -تبارك وتعالى- لنا ولكم التوفيق والسداد.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً