الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ساءت معيشتنا وليس لدينا أحد يعمل!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا أدري من أين أبدأ، نحن خمس بنات لدى والدينا، ولم يكن لدينا أخ شاب، والدي يسكن في الريف مع أمي، مع العلم أننا من إحدى أكبر المدن، لكننا انتقلنا للعيش في الريف لأن والدنا كان يعمل في مجال الحلويات، وأمي تزوجته عندما كانت تبلغ من العمر 32 سنة، وكان والدي يجبر أمي على العمل معه، وكل ما يرزق به كان يرسله لوالدته في المدينة، ولا يبقى لنا إلا القليل جداً.

اشترى بيتًا في الريف وسكنّا فيه، وكان عمر والدي حوالي 42 سنة حينها، وقال إنه لا يريد العمل، فاقترحت أمي أن يفتح محلًا من بيتنا لصناعة الحلويات وهو يبيعها، وتم ذلك بالفعل، ولكن رغم ذلك لم تتلقَ أمي إلا الإهانة والشتم، كان المحل غير مطور، لكننا كنا نعيش منه، إلا أن والدي لم يقتنع أن نضع صانعًا أو نطور المحل.

ومع مرور الأيام، لم يعد أحد يشتري منا بسبب فظاظة أبي في تعامله مع الناس، بقينا بلا عمل، وأمي كبيرة في السن، وحزينة دائمًا، ولم يبقَ من المال إلا القليل.

أختي الكبيرة متزوجة من شخص في الريف، والثانية من المدينة، والثالثة تزوجت من جديد في الريف.

الآن أبي يقول إنه يريد بيع هذا المنزل، مع أن أختي متزوجة هنا، كيف سنتركها وحدها، وزوجها شخص قاسي جدًا؟ لا أعرف ماذا أفعل!

يداي مقيدتان، مع العلم أنني أحب الذهاب إلى الجامعة التي في المدينة، وأشعر بالتشتت والضياع، وليس لدينا أحد يعمل.

أما عن أهل أبي: فأصبحوا من أكثر الأشخاص ثراءً في المدينة وحالهم ميسور، ولكن لا أحد يعترف بفضل أبي وتعب أمي.

أمي قدماها مليئتان بالدوالي وحزينة، ماذا أفعل؟ أفكر في أن أضع إعلاناً بأنني أريد الزواج من شخص يساعدني في فتح وتطوير محلنا، مثل خديجة -عليها السلام-، التي كانت تعمل تاجرة.

أنا لا أفكر بالزواج حقًا، لكن من سيقف معنا؟ بات كل شيء معقدًا، كيف ترى الحل الذي يعيد الأمل إلى حياتنا؟

كم ندمنا على زواج أختي الثالثة، ونلوم أنفسنا لأنها تزوجت في الريف، رغم أنها طالبة جامعية، ما الحل؟ والله روحي أنهكت.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لكِ الاهتمام والاغتمام لحال الأسرة، وحُسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يوفِّقكم، وأن يُصلح الأحوال.

أوّلًا: أرجو أن تعلمي أن الحياة الدنيا لا تَحلُو لأحد، وأنها لا تَخلو من الابتلاءات، وقد جُبِلَت على كَدَرٍ، كما قال الشاعر:

جُبِلَتْ على كَدَرٍ وأنتَ تريدُها *** صَفْـــــــــــــوًا من الأَقذاءِ وَالأَكدارِ
مُـكَـلِّـفُ الأيَّـــامِ ضــــدَّ طِـبَـاعِـهَـا *** مُتَطَـلِّـبٌ فِــي الْـمَــاءِ جَـــذْوةَ نـــارِ

وعليه أرجو أن تتعاملوا مع هذا الواقع الصعب، أولًا بالصبر والرِّضا؛ فإنَّ الإنسان إذا شكر الله على ما أولاه من النعم وصبر؛ فإنه ينال بشكره لربِّنا المزيد، إيمانًا بقول ربِّنا سبحانه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}. نسأل الله أن يجعلنا جميعًا من الذين إذا أُعطوا شكروا، وإذا ابتُلوا صبروا، وإذا أذنبوا استغفروا، ونسأل الله أن يعين الوالدة على تجاوز هذه الصعوبات، وأن يعينكم أيضًا على تفهّم هذا الوضع، وأن يرد للوالد وعيه واهتمامه بالأسرة.

ونحب أن نؤكد لكم أن الإنسان لا ينبغي أن ينظر إلى هذه الدنيا بنظرة سوداوية، بل ينبغي أن ننظر إليها بأمل جديد، وتفاؤل جميل، وثقة في ربنا المجيد؛ لأن الرزّاق حي لا يموت.

ولا نؤيد فكرة خراب أي بيت مهما كان تقصير الزوج؛ لأن الحياة الزوجية لا تعوضها حياة أخرى؛ ولذلك أرجو أن تُدار هذه الأمور بحكمة، ويُشجَّع الأخوات على الصبر على أزواجهن والإحسان إليهم. ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يصلح أحوالنا وأحوالكم وأحوال المسلمين، وأن يصلح ذات بينهم، وأن يؤلّف بين قلوبهم.

ولا مانع بالنسبة لكِ أن تعملي وتجتهدي وتحرصي في اختيار الزوج الصالح؛ لأن الفتاة أيضًا تختار صاحب الدّين، الشريعة قالت للفتاة ولأوليائها: "إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ -دِينه وأمانته- فَزَوِّجُوهُ" [رواه الترمذي]، كما قالت للرجل: "فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ" [متفق عليه]، وهذا ممَّا نوصيكم به، فإن التمسُّك بالدِّين، والرضا بقضاء الله وقدره، وبذل الأسباب، هو الذي يُعين الإنسان على تجاوز الصعاب.

ولا نؤيد فكرة الرجوع إلى الوراء والندم على ما حصل، فإذا كان أهل الزوج الذين أحسن إليهم لم يُحسنوا إليه، فهذا أمر يدل على لؤم وتقَصير، وفي النهاية، الله سيعوض الوالد ويعوضكم خيرًا على ما قدمتموه تجاههم، فالإنسان ينبغي أن يفعل الخير لأجل الخير، راجيًا ما عند الله تبارك وتعالى، ومبتغيًا الثواب منه.

هذا المعروف الذي قدمه لأهله، والخدمات التي قام بها، لن تضيع عند الله تبارك وتعالى، وإن جحدها أهل الأرض؛ فإن الله يعوض الإنسان خيرًا -نسأل الله أن يُسهل أمركم، وأن يُلهمكم السداد والرشاد-، وشجعوا الوالدة واشكروها على صبرها، ولا تزيدوها حزنًا على حزنها، فالإنسان لا ينبغي أن يحزن على ما فات، فالبكاء على اللبن المسكوب لا يُردّه، بل يجب أن ينظر إلى المستقبل، ويحاول أن يعمل أعمالًا إيجابية، ويذكر ربّ البريّة.

واعلموا أن الشيطان هو الذي يجلب الأحزان، كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا}، ليُحزنهم ويُدخل عليهم الأحزان، والندم على ما فات لا يُفيد الإنسان، ولذلك الشريعة لا تريد أن نقول: "لو كان كذا لكان كذا"، بل نقول: "قدَّر الله وما شاء فعل" فإن (لو) تفتح عمل الشيطان.

نسأل اللهَ أن يجعلنا وإيّاكم ممَّن إذا أُعطوا شكروا، وإذا ابتُلوا صبروا، وإذا أذنبوا استغفروا، وإذا غَفَلوا انتبهوا، وإذا استُنصِحوا تناصحوا، وأن يُصلح أحوالَكم، ويملأ دُورَكم بالخير والبركة والمال، ويُعجِّل لكم بالفرَج؛ هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً