الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ابني المراهق يشرب الخمر، فكيف نتعامل مع هذه المصيبة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ابني يبلغ من العمر 17 سنة، ويعمل في مطعم مشويات مساءً منذ أكثر من سنة، ويعود متأخرًا ليلًا، لم نلاحظ عليه يومًا علامات شرب الخمر، ولكنه في هذا اليوم تأخر في الشارع مع أصدقائه، وعندما اتصلت به كان هاتفه مغلقًا بسبب نفاد الشحن.

ذهب أخوه إلى الحديقة القريبة التي اعتاد الذهاب إليها للعب كرة القدم مع أصدقائه، فوجده هناك، وكان قد شرب كمية كبيرة من الخمر مع أحد أصدقائه وجار لنا، ولم يكن قادرًا على الوقوف على قدميه.

وبعد البحث، اكتشفنا أنه يتواصل مع أحد الأشخاص الذين يبيعون الخمر، ويجلس مع بعض هؤلاء الأصدقاء لشربه، وهذه المرة الرابعة التي يحدث فيها ذلك، ولم نتحدث معه أنا ووالده والعائلة؛ لأنه لم يكن في وعيه، فقط أدخلناه إلى الحمام، وصببنا الماء على رأسه، وجعلناه يشرب الماء.

كان يبكي ويريد رؤية جدته المتوفاة، ويطلب الذهاب إلى منزلها؛ لأنه يشتاق إليها كثيرًا، وهي والدتي التي يحبها جدًا، لم يتحدث إلا عنها، وكان يبكي بحرقة.

أرجو منكم إرشادي: ماذا أفعل؟ وكيف أتعامل معه أنا والعائلة؟ الجميع غاضب منه ومقهور من هذه الفعلة.

لكم جزيل الشكر والتقدير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم علي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بدايةً: نشكر لك ثقتك بموقع إسلام ويب، ونسأل الله أن يحفظ أبناءك ويهديهم سواء السبيل، ويعينكم على تجاوز هذه المحنة.

ما وقع فيه ابنك –هداه الله– من شرب الخمر أمر عظيم وخطير شرعًا ودينًا وصحةً وسلوكًا، وقد عدَّه النبي صلى الله عليه وسلم "أمَّ الخبائث"، وجعلها من الكبائر التي تستوجب التوبة الصادقة والرجوع إلى الله تعالى، فقد قال: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام»، وقال: «ما أسكر كثيره فقليله حرام»، ولعن شارب الخمر وبائعها وحاملها والمحمولة إليه.

ومع إدراك خطورة ما وقع فيه، إلا إن الأسلوب الأمثل في التعامل مع ابنك هو التوازن بين الحزم والرحمة، بعيدًا عن الانفعال والغضب وحده؛ حتى لا يتفاقم الموقف ويزداد انحرافه، فهو في هذه المرحلة أحوج ما يكون إلى رعايتكم واحتوائكم والاقتراب منه، لتأخذوا بيده نحو التوبة والعودة إلى الطريق المستقيم.

ولمعالجة هذه المشكلة يلزم التعامل معها من خلال عدة محاور متكاملة، من أهمها ما يلي:
1. التريث قبل المواجهة والصبر على التحديات:
ينبغي عدم التعجل في مهاجمته أو محاصرته فورًا، فهو في مرحلة المراهقة التي يغلب عليها الميل إلى العناد والمكابرة، والدخول معه في مواجهة مباشرة قد يدفعه إلى التمادي في خطئه والاستمرار في شرب الخمر، مما يعقّد المشكلة بدل حلها؛ ولذلك من المهم التريث حتى يستعيد وعيه وهدوءه، ثم اختيار وقت مناسب للجلوس معه والحوار الهادئ.

2. الحوار الهادئ والمصارحة:
احرصوا على تخصيص جلسة هادئة معه، يتولى فيها الأب أو الأم – بحسب من يكون أقرب إلى قلبه – التعبير عن المحبة والشفقة عليه، مع توضيح خطورة ما أقدم عليه من جوانب شرعية وصحية واجتماعية، وأخبروه أن شرب الخمر يفسد دينه ويهدم كرامته ويهدد مستقبله، مع تذكيره بأن باب التوبة مفتوح، وأن الله تعالى يقبل التوبة مهما عظمت الذنوب إذا صدقت النية.

3. غرس الوازع الديني:
اجعلوا له صلة قوية بالصلاة والقرآن ومجالس الذكر، وحبّبوه في رفقة الصالحين؛ فالدين هو أقوى رادع يمنعه من العودة إلى هذا الطريق.

4. البحث عن بدائل وأنشطة إيجابية:
بما أن ابنكم يعمل مساءً ويقضي وقتًا مع أصدقاء السوء، فاحرصوا على إعادة تنظيم وقته بين الدراسة، والعمل، والرياضة، والبيت، مع ملء فراغه بما ينفعه؛ حتى لا يبحث عن اللهو الضار.

5. مراجعة صحبته والأماكن المرتبطة بالمشكلة:
ينبغي تنبيهه إلى أن رفقاء السوء هم السبب الأكبر فيما وقع فيه، قال صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»، فعليكم معاونته على قطع صلته بهم فورًا، وإحلال رفقة صالحة مكانهم، مع إبعاده عن الأماكن المرتبطة بشرب الخمر، ومتابعته بحزم ولطف؛ حتى لا تنتكس حالته ويعود إلى هذا الطريق مرة أخرى.

6. الدعم الأسري:
الابن في أمسّ الحاجة إليكم الآن، فليشعر أن أسرته تقف بجانبه لا ضده، وأخبروه أن غضبكم من فعله لا من ذاته، وأن محبتكم له ثابتة، لكن رفضكم لفعله شديد حرصًا على صلاحه وهدايته.

7. أهمية العلاج والمتابعة:
يبدو من تفاصيل الموقف أن الابن قد ظهرت عليه بوادر الإدمان، بل وارتبط ذلك باضطراب نفسي انعكس في سلوكه وكلامه؛ مما يستلزم عرضه على طبيب نفسي مختص لتقييم حالته، ووضع خطة علاجية متكاملة نفسية وسلوكية؛ فالتدخل المبكر يحميه بإذن الله من تفاقم الخطر، ويعينه على العودة إلى الاستقامة.

وعليكم بالدعاء والاستعانة بالله أن يكتب له الهداية والصلاح، فقلوب الأبناء بيد الله، وهو القادر على أن يغير حاله إلى افضل حال من صلاح وتقوى.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات