الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقدم لي شاب لديه مخالفات شرعية وأنا أرغب بالأفضل

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبلغ من العمر 22 سنة، مؤخرًا تقدم لي شخص خلوق يعيش في إسبانيا، ولكن لاحظت عليه بعض المخالفات، مثل حلق اللحية، والإسبال، والصلاة في البيت، تحدثت معه عن هذه الأمور، وقال إنه لن يفعلها مجددًا.

أنا الآن في حيرة: هل أُكمل أم لا؟ لطالما دعوت الله أن يرزقني زوجًا صالحًا يعينني على طاعته، وكنت أرجو شخصًا يشبهني في التوجه والاهتمام.

أنا -ولله الحمد- أرتدي النقاب، وأتعلم العلم الشرعي، وأدرس قواعد التجويد، وفي طريقي لحفظ القرآن الكريم، أركّز على كل تفصيل في حياتي، وأجاهد نفسي لترك المحرمات، صغيرها وكبيرها، وأربط كل شيء في حياتي بالله، وبديني، وعقيدتي، وأجاهد نفسي كل يوم لأكون أفضل، وأركّز على أهدافي الدينية أكثر من الدنيوية.

لا أدري! أشعر أن هذا الشخص لا يشبهني كثيرًا، فهو لا يركّز مثلي على أدق التفاصيل، ومن جهة أخرى، هناك ضغط كبير عليّ؛ لأنه ثالث شخص يتقدم لي وأرفضه، وأخشى أن أرفضه ولا يأتيني من هو أفضل منه.

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Aya .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك - أختنا الفاضلة - في الموقع، ونشكرك على هذا الحرص على دين الخاطب المتقدم، ونسأل الله - تبارك وتعالى - أن يضع في طريقك من يسعدك.

بدايةً: نحن نرفض تكرار الرفض للخطاب، وأرجو أن تنظري نظرةً شاملة لمن يتقدم إليك واختارك من بين سائر النساء، كما نرجو أن تُعطي اعتبارًا لرأي الوالد والوالدة، وخاصةً المحارم أيضًا، فالرجل أدرى بالرجال.

والمهم في هذا الشاب هو أن يكون عنده قابليّة للتحسُّن، ورغبة في التطور من الناحية الشرعية، ولعلَّ هذا كان ظاهرًا في قوله إنه لن يفعل هذه المخالفات مجددًا، مثل الصلاة في البيت أو الإسبال، يعني مثل هذه الأمور، ونحب أن نؤكد أن الفتاة الصالحة لها تأثير ولها بصمات كثيرة وكبيرة على زوجها وعلى من حولها؛ فلذلك أرجو إعادة النظر في هذه المسألة.

والإنسان إذا تحيّر فإن عليه أن يستخير، ثم عليه أن يستشير، ويبحث عن مزيد من المعرفة والسؤال عن الشخص المتقدم، فمن حقه أن يسأل عنكم، ومن حقكم أن تسألوا عنه.

ثم حاولي أيضًا أن تدركي أنك لن تجدي شابًا بلا نقائص أو عيوب، كما أن الشاب لن يجد فتاة بلا نقائص ولا عيوب؛ فنحن بشر والنقص يطاردنا، والإنسان ينبغي أن ننظر إليه نظرة منصفة، نضع الإيجابيات، ثم نضع إلى جوارها السلبيات، ثم نتذكَّر أننا بشر لا نخلو من السلبيات، ثم نحاول أن ننظر في فهمه لهذه السلبيات واستعداده إلى أن يتغيّر وإلى أن يصحح هذه الأخطاء، فإذا وجدت هذه الأمور فالإنسان لا ينبغي أن يتردد في القبول.

استعيني بالله - تبارك وتعالى - وضعي أهدافًا واضحة جدًّا لما تريدينه، أنك تريدين كذا وكذا، وهذا من البداية جميل، والإنسان يقول: "أنا ليس عندي اعتراض فيك"، كما قالت الصحابية أم سليم حين خطبها أبو طلحة قبل أن يُسلم: "مَا مِثْلُكَ يَا أَبَا طَلْحَةَ يُرَدُّ، وَلَكِنِّي امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ، وَأَنْتَ رَجُلٌ كَافِرٌ، وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَكَ، فَإِنْ تُسْلِمْ ‌فَذَلِكَ ‌مَهْرِي لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَأَسْلَمَ، فَكَانَتْ لَه، وتزوجها"، فكانت من أبركِ النساء مهرًا -رضي الله عنها وأرضاها- وكان سببًا في دخول قمة من قمم الصحابة الكبار الذين خدموا دين الله وناصروا رسول الله ﷺ.

فالذي يطرق الباب هو المحتاج؛ لذلك ينبغي أن تحرصي على أن تكوني واضحة فيما تريدين، وأيضًا حرص الوالدين دليل على أن في الشاب ما يميزه، ونحن أيضًا لا بد أن ننظر في شباب اليوم وفي مَن يتقدم ويطرق الأبواب، في مَن يريدُ تأسيس علاقة صحيحة، هذا العدد أصبح نادرًا، ولذلك أصبحت الفرص نادرة، وإذا كان هذا هو الثالث أو تكرر الرفض؛ فنحن لا نؤيد مسألة الاستعجال في الرفض، ونؤيد مزيدًا من الدراسة، ومزيدًا من الوضوح في الشروط والرغبة في الحياة التي تريدينها.

ومن المهم جدًّا أيضًا أن تعرفي انطباعك الأول، يعني الشريعة لما شرعت النظرة الشرعية؛ لأنه يحدث بعدها انشراحٌ وارتياحٌ، و«الْأَرْوَاحُ ‌جُنُودٌ ‌مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» (رواه البخاري ومسلم).

إذًا: نحن نميل إلى ما يميل إليه الوالد والوالدة؛ لأنهما أحرص الناس على مصلحتك، ونؤكد أن الفتاة صاحبة الدين، الحريصة على حفظ كتاب الله، المتمسكة بدينها والتي عندها منهج واضح في الحياة بحول الله وقوته؛ سيكون لها تأثير كبير على زوجها وأولادها ومن حولها.

نسأل الله أن يُقدّر لك الخير ثم يرضيك به، وأن يثبتك، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو وليُّ ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً