الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دعوت الله أن يعاقبني إن عدت للذنب فعدت له!!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ارتكبت خطأ وندمت عليه، وكنت حزينة جدًا وخائفة، وأبكي كثيرًا، فطلبت من الله الستر والمغفرة، وقلت له: يا رب إن كرّرت هذا الذنب، فعاقبني، أو عاقبني في أهلي، وكان ذلك قبل أربع سنوات تقريبًا.

ومنذ سنة وقعت في ذلك الذنب مرة أخرى، والآن أشعر بالندم الشديد، والخوف من أن يُعاقبني الله، أو يُعاقب أهلي، وأنا خائفة جدًا عليهم قبل أن أكون خائفة على نفسي؛ لأن عائلتي لم ترتكب أي ذنب.

أفيدوني، هل يُستجاب دعاء الشر الذي يُقال في لحظة خوف أو حزن؟ وادعوا لي بالمغفرة، وأن يحفظ الله عائلتي ويحفظني، فأنا لا أتذكر بدقة ما دعوتُ به، لكنني أتألم وأريد أن أتذكّر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ maha حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

قرأت رسالتك، وأقول: هنيئًا لك التوبة النصوح، والخوف من الله، فهذه حالة يحبها الله، وهو الاعتراف بالذنب، والخوف من عقاب الله، وتفاعلًا معك في حل مشكلتك، أقول الآتي:

أولًا: الخوف والحزن بسبب الذنب علامة على صدق نيتك في التوبة إلى الله تعالى، والإنسان إذا ألمّ بمعصية ثم تاب إلى الله، فعليه أن يُحسن الظنّ بربه سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53]، وفي الحديث، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" [رواه ابن ماجه].

والتوبة النصوح هي التي تشتمل على:
- الإقلاع عن المعصية.
- الندم على ما فات.
- العزم الصادق على عدم العودة إلى الذنب، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا} [التحريم: 8].

ثانيًا: أما ما تكلمت به من الدعاء أنك إذا كررت ذلك الذنب، فدعوت الله أن يعاقبك أو يعاقب عائلتك؛ فهذا مما لا ينبغي فعله؛ فقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسلمَ أن يدعو على نفسه أو أولاده أو أهله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم" [رواه مسلم]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تدعوا على أنفسكم إلا بالخير، فإن الملائكة يُؤمّنون على ما تقولون" [رواه مسلم].

وفي حديث أنس -رضي الله عنه- قال: "عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من المسلمين قد صار مثل الفرخ، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل كنت تدعو بشيء؟ قال: نعم، وقلت: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة، فعجله لي في الدنيا، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: سبحان الله لا تطيقه، أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، فدعا الله له فشفاه" [أخرجه مسلم].

ثالثًا: أما بالنسبة لخوفك من أن يستجيب الله لك في الدعاء على نفسك، أو عائلتك؛ فلا تقلقي؛ فإن الله تعالى مُطّلع على عباده، يعلم أحوالك وصدق توبتك، وليس كل دعاء يُستجاب، لا سيما إذا كان بإثم أو قطيعة رحم، قال بعض العلماء: إن الدعاء على النفس من اللغو الذي لا يُؤاخذ به ولا يُعتدّ به، وجاء في تفسير البغوي، أن زيد بن أسلم قال: "ومن اللغو دعاء الرجل على نفسه"، قال الله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: 11].
قال ابن عباس: هذا في قول الرجل عند الغضب لأهله وولده: لعنكم الله، أو لا بارك الله فيكم. وقال قتادة: هو دعاء الرجل على نفسه وأهله وماله بما يكره أن يُستجاب.

وقال ابن كثير: يُخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده، أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد في إرادة ذلك؛ فلهذا لا يستجيب لهم في هذه الحالة، لطفًا ورحمةً منه سبحانه وتعالى.

ولذلك -أيتها الأخت الكريمة-: لا داعي للقلق من دعائك على نفسك أو على عائلتك، فإن الله تعالى لن يستجيب هذا الدعاء الذي ذكرتِه، وقد أكثرتُ من النقولات في هذه المسألة؛ حتى تطمئني وتتيقّني أن الله تعالى لن يستجيب هذا الدعاء، فاستمرّي على التوبة النصوح، واطمئني إلى رحمة الله تعالى، وإذا جاء إليك هذا القلق، فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم.

وفي الختام: أسأل الله تعالى أن يتقبّل توبتك، وأن يسعدك في الدنيا والآخرة، اللهم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً