الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

محتار بين دراسة التمريض ببلدي ودراسة الطب في الخارج!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا طالب، كنت أتمنى دراسة الطب البشري، لكنني حصلت في بلدي على معدل أقل من المطلوب بـ3%، فلم أتمكّن من الالتحاق به، فدخلت كلية التمريض ومدّتها أربع سنوات، وقد أنهيت منها سنتين، وبقي لي سنتان -بإذن الله-.

الآن حصلت على فرصة لدراسة الطب البشري مجانًا بمنحة في روسيا، ولغة الدراسة هي اللغة الروسية، وستكون مدة الدراسة سبع سنوات، كما حصلت على فرصة أخرى لدراسة التمريض مرة أخرى، ولكن في هنغاريا -ضمن الاتحاد الأوروبي- ولغة الدراسة الإنجليزية، وسيتعيّن علي البدء من جديد؛ لأنهم لن يعادلوا لي أي مواد درستها سابقًا.

حائر كثيرًا، وحاولت استشارة أهل الخبرة في هذا الموضوع، لكن كل يدلي برأي مختلف، وأنا أعلم أن القرار في النهاية لي، لكني تعبت من التفكير في الأمر، وأدعو الله دائمًا أن يختار لي الخير، حتى وإن لم أكن أراه بنفسي.

السبب في حيرتي أن بلدي يعاني من بطالة شديدة جدًا في قطاع الطب، ولا توجد مقاعد كافية للاختصاص، وكثيرًا ما أقرأ منشورات لأطباء تخرجوا حديثًا أو منذ ثلاث سنوات، تتضمن كلامًا محزنًا، منهم من بلغ الثلاثين من عمره، ولا يزال يأخذ مصروفه من والده، بل وأحيانًا يكون متميّزًا في دراسته.

نحن لسنا من عائلة غنية، وليس من السهل علي أن أعيش دون دخل، أو أن أشتري مقعدًا للاختصاص على حسابي الشخصي، الحكومة تصرح بأن عدد الأطباء العاطلين عن العمل سيتضاعف خلال السنوات الخمس القادمة، وبلغ عددهم حاليًا أكثر من عشرة آلاف طبيب، أنا أحبّ العلم وحائر، لكنّي خائف من المجهول، ومن مصير كهذا.

كنت أخطط بعد التخرج -أيًّا كان المسار من بين هذه الخيارات الثلاثة- أن أعمل في الخارج، في بلدان متقدمة، مثل: ألمانيا، أو الولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك بهدف تطوير علمي ومهاراتي بشكل أعمق وأقوى، ثم أعود بعد ذلك إلى الدول العربية.

أعلم أيضًا أن هذا الطريق سيكون مكلفًا جدًا بالنسبة للأطباء، ويحتاج إلى وقت طويل، وتحديات ليست سهلة، فأفيدوني هل ما أفكر فيه يعتبر من سوء الظن بالله أو الكفر، أم أنه من الأخذ بالأسباب؟ وبأي خطوة تنصحونني؟ فأنا حائر ولا يمكنني اتخاذ القرار إلى الآن.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله أن ييسر أمرك، ويشرح صدرك للقرار الصائب، وأن يوفقك لما فيه الخير في الدنيا والآخرة.

إن ما تمر به من حيرة وتردد هو أمر طبيعي في مثل هذه القرارات المصيرية، التي تؤثر على مستقبلك المهني والشخصي، وسأحاول أن أقدم لك نصيحة شاملة قدر الإمكان.

أولًا: الإسلام يحثنا على التوكل على الله، مع السعي واتخاذ الأسباب، قال الله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [سورة الطلاق: 2-3]، فاجعل نيتك خالصة لله، واستعن به في اتخاذ القرار، وادعُ الله أن يختار لك الخير حيث كان.

ثانيًا: صلاة الاستخارة، وهي سنة نبوية عظيمة، تساعدك على طلب الهداية من الله في الأمور التي تحتار فيها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك..." [رواه البخاري]، قم بها بصدق، وكررها إن شعرت بالحيرة، ثم انظر إلى ما يميل إليه قلبك بعد ذلك.

ثالثًا: اجعل نيتك في طلب العلم هي خدمة الناس ونفع الأمة، سواء اخترت الطب، أو التمريض، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خير الناس أنفعهم للناس" [رواه الطبراني]، فكل طريق تسلكه بنية صالحة سيكون فيه بركة -بإذن الله-.

دعنا ننظر إلى الخيارات المتاحة:
1- دراسة الطب في روسيا لمدة 7 سنوات:
- الإيجابيات: تحقيق حلمك بدراسة الطب، وفرصة للحصول على شهادة طبية، قد تفتح لك أبواب العمل في الخارج.
- أما التحديات: مدة الدراسة طويلة، واللغة الروسية قد تكون عائقًا إذا لم تكن لديك خلفية قوية فيها، كما أن سوق العمل في بلدك يبدو مشبعًا بالأطباء؛ مما قد يجعل العودة صعبة.

2- إعادة دراسة التمريض في هنغاريا لمدة 4 سنوات:
- إيجابياتها: الدراسة باللغة الإنجليزية، مما يسهل عليك العمل في دول متقدمة لاحقًا، كما أن مدة الدراسة أقصر مقارنة بالطب، وأيضًا التمريض مهنة مطلوبة عالميًا، وقد تجد فرصًا أفضل للعمل في الخارج.
- أما التحديات: فإعادة الدراسة من البداية قد تكون محبطة، كما أنك قد تشعر بأنك لم تحقق حلمك الأصلي بدراسة الطب.

3- إكمال دراسة التمريض في بلدك -سنتان متبقيتان-:
- الإيجابيات: إنهاء الدراسة بسرعة خلال سنتين فقط، كما أنها قد تكون أقل تكلفة من الخيارات الأخرى.
- أما التحديات: سوق العمل في بلدك قد يكون محدودًا، كما أنك قد تشعر بأنك لم تستغل الفرص المتاحة لك.

ماذا تفعل؟
اجمع بين الاستخارة والاستشارة، واستمع إلى نصائح من تثق بهم من أهل الخبرة، ففي الحديث: "ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار"، وعليك بالدعاء، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء"، فادع الله بصدق، ولا تقلق بشأن النتيجة، فالله يختار لك الخير.

رابعًا: خطوات عملية لاتخاذ القرار:
1- حدد أولوياتك، هل الأولوية لتحقيق حلمك بدراسة الطب، أم الأولوية للحصول على مهنة مستقرة ومطلوبة عالميًا، أم الأولوية للوقت والتكاليف؟
2- قم بدراسة السوق، وابحث عن فرص العمل في الخارج لكل من الطب والتمريض، أيضًا تحقق من متطلبات العمل في الدول التي ترغب في الانتقال إليها، مثل: ألمانيا أو أمريكا.
3- استشِر المتخصصين وأصحاب الخبرة، وتحدث مع أطباء وممرضين يعملون في الخارج للتعرّف على تجاربهم الواقعية، كما يُنصح باستشارة مستشارين تعليميين حول فرص المنح الدراسية وتكاليفها.
4- ضع خطة طويلة المدى، فإذا اخترت الطب، فاستعد للالتزام بسنوات طويلة من الدراسة والتدريب، أما إذا اخترت التمريض: ففكر في كيفية تطوير مهاراتك للحصول على فرص أفضل.
5- لا تخف من التغيير، تذكر أن النجاح ليس مرتبطًا بمهنة معينة، بل بمدى إخلاصك واجتهادك فيها.

تذكر أن الحيرة التي تشعر بها طبيعية، وهي دليل على أنك تأخذ القرار بجدية، فلا تضغط على نفسك كثيرًا، فكل خيار له إيجابياته وسلبياته، وحاول أن تركز على ما يمكنك التحكم فيه، واترك الباقي لله.

وفي الختام: أسأل الله أن ييسر لك أمرك، ويشرح صدرك، ويختار لك الخير حيث كان، وتذكر أن الرزق بيد الله، وأن النجاح الحقيقي هو في رضا الله والعمل الصالح.

اللهم اختر لأخينا هذا ما فيه الخير له في دينه ودنياه، وبارك له في علمه وعمله، وارزقه التوفيق والسداد، آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً