الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعيش صراعًا يشغلني عن كل ما هو نافع، فهل هو وهم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هناك مشكلة تؤرقني كثيرًا، وهي تأنيب الضمير على ما أظنه صوابًا، وعلى حكمةٍ تأبى نفسي أن تقبل ما ينفعها، فمثلًا: عندما أقرر اختيار طعام صحي، أو أن أصوم، أشعر بضيق، خاصة عندما تسألني أمي: لماذا؟ فأبدأ بالبحث عن الغاية من هذه الأفعال ويأتيني التردد، وفي مرحلة من الدراسة، كنت أعزف عن المراجعة لمجرد أنني شعرت بأنني فهمت جزءًا بسيطًا، ومثال آخر: عندما يكون زوجي منشغلًا بعمله، أقول في نفسي: إن عليّ مراعاة ظروفه، لكنني أشعر بقلق داخلي، ورغبة في الانزعاج منه.

ما يؤرقني هو هذا الصراع الداخلي، كأنني مقتنعة، ولدي رغبة في فعل ما ينفعني، لكنني أرغم نفسي على فعل ما يضرني بسبب تأنيب الضمير والتردد، تراودني أفكار حكيمة، وألاحظ أن الناس يضيعون الكثير من الوقت، وأنفر من سفاسف الأمور، والعجيب أنني يضيق صدري من تفكيري بهذه الطريقة الجيدة، كأنني أستكثر نعمة الله عليّ، وأريد دائمًا أن أشعر بالتعب قبل أن أحصل على شيء، وأضع للنجاح دائمًا معايير عالية جدًا.

أنا أعلم أن هذا خطأ، وأرغب في الوصول إلى الطمأنينة النفسية، والتخلص من ضرّي لنفسي، ومن هذا الصراع الذي يشغلني عن كل ما هو نافع.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بكِ -أختنا الفاضلة- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال، طبيبةً زميلةً لنا في المستقبل القريب بإذن الله تعالى.

أختي الفاضلة: نعم إن ما وصفته في سؤالك عن نفسك يصف حالة كثير من الناس، من شيء من الصراع الداخلي فيما يجب أن يفعل الإنسان، وتناقضه مع ما يقوم به في الواقع العملي، والإنسان مخلوق مركّب، ومن أعقد الأمور في هذه الحياة -في حياة الإنسان- هو هذا الصراع الداخلي بين ما يجب عليه أن يقوم به، وبين ما يفعله في الواقع العملي.

كل الناس يتمنّون أن يكونوا مثاليين في حياتهم، سواء من ناحية السلوك، أو التغذية، أو النشاط البدني، إلى آخره، إلَّا أن ضغط الواقع يجعلهم يتصرفون بطريقة غير التي يفكرون فيها، وهذا الصراع الداخلي إن زاد، إنما يُشير إلى حساسيةٍ شديدةٍ عندك، وتردُّدٍ في هذا الصراع بين ما هو مثالي، وما هو واقعي، ممَّا ينتج عنه بعض التردد.

أختي الفاضلة: كثير من الناس ممن نعرف، نعلم أنهم يتمنّون لو يتبعون نظام تغذية صحي، إلَّا أنهم يخالفون هذا في كثير من الأحيان، على كلٍّ: يحاول الإنسان أن يُسدّد ويُقارب، ينجح مرة ويخفق مرة أخرى، ثم يحاول مُجددًا، وهكذا، حتى يصل إلى تحويل ما يتمناه إلى عادة، فالعادة -إن كانت إيجابية- هي ضمان له بأنه يقوم بالتصرف الصحيح.

فإذًا ليس هناك طريقة سهلة سريعة للخروج من هذا الصراع الداخلي، ولكن ما أنصحك به: ألَّا يؤنّبك ضميرك كثيرًا في هذا الموضوع، فتأنيب الضمير إلى حدٍّ ما أمرٌ جيد، يدفعنا إلى السلوك الصحيح، ولكن إن زاد عن حدّه انقلب إلى ضدّه، وأصبح يُسبِّبُ لنا الألم النفسي وزيادة الصراع الداخلي.

فإذًا حاولي أن تضعي لنفسك نظامًا صحيًا متدرجًا، ليس بنقلة واسعة، وإنما بالتدرج، ومع الوقت ستجدين أن سلوكك أصبح تضبطه عادات إيجابية، ممَّا يُخفف الصراع الداخلي والشعور بهذا التردُّد الذي تصفينه في رسالتك.

اطمئني، فما تعانين منه أمرٌ طبيعي، سيَخُفُّ ويزولُ مع الوقت، داعيًا الله تعالى لك بتمام التوفيق والنجاح في دراستك للطب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً