الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحب الصلاة وقراءة القرآن لكني أشعر بثقل عند إرادة ذلك!!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة عمري 21 سنة، تخرجتُ حديثًا، وأقضي معظم وقتي بين مسؤوليات المنزل وبرّ والديّ، إضافة إلى سعيي لتطوير ذاتي.

ما أعاني منه هو أنني أحاول دائمًا قراءة القرآن وأداء الصلاة، لكنني أشعر بثقل ونعاس غير طبيعي؛ لدرجة أن عينيّ تدمعان من شدة النعاس.

أنا أحب الصلاة وأرغب في أدائها لأشعر بالراحة، لكنني أشعر بثقل وكأن شيئًا يمنعني، وأصبحتُ أقطع الصلاة باستمرار، رغم أنني لا أريد ذلك، وأحاول جهدًا أن ألتزم.

أعاني من خمول وكسل دائمَين، مع أنني لست كذلك في طبيعتي، حتى أثناء الدراسة أشعر بالنعاس، رغم أنني أضغط على نفسي وأحقق تفوقًا و-الحمد لله-، لكن شعور الكسل والخمول يلازمني دائمًا، وأشعر أحيانًا أنني لا أرغب في فعل أي شيء، رغم أنني في داخلي أريد أن أعمل وأجتهد، لكنني لا أشعر بالراحة، ولا أعرف السبب!

قدّمتُ طلبات توظيف في عدة أماكن، لكن لم أتلقَّ أي رد، ولا أحد يتواصل معي، ومع ذلك أواصل المحاولة.

حتى في الجانب العاطفي، لا يوجد أحد، ولا أحد يتقدّم لي، ولا أحد يُعجب بي، رغم أن الجميع يمدحني، ويقول إن لديّ مقومات جيدة، لكن لا يحدث أي شيء، وإن حدث لا يتم النصيب.

لا أعرف ماذا أفعل! أواصل المحاولة، وكل شيء أفعله كأنني أُجبر نفسي عليه حتى لا أبقى كسولة، أحب الصلاة وأرغب في الالتزام بها؛ لأنني أحبها فعلًا.

وقد عرضتُ على أكثر من شيخ وقرأوا عليَّ، وقالوا بي عين قوية، وعندما تُجرى لي الرقية أشعر ببعض الراحة، ثم تعود الحالة كما كانت، وحتى النوم في الليل لا أستطيعه بسهولة، وأرغب في قراءة القرآن لكن أشعر بثقلٍ شديد، ولا أعرف ما العمل!

لا شيء يسير كما أريد، رغم أنني على يقين بأن الله سيعوضني ويجبر خاطري، وأن كل إنسان ينال نصيبه، ولكني منذ فترة طويلة وأنا على هذا الحال دون تغيير، رغم أنني أُحاول وأدعو باستمرار.

أتمنى أن يحدث شيء جميل في حياتي، وأن أبدأ بالصلاة دون أن أشعر بهذا الثقل، أو أن أُقبل في وظيفة، أو أن يتحرك أي جانب من جوانب حياتي؛ لأنني أشعر أن كل شيء متوقف.

أتمنى أن تساعدوني وتخبروني ما هو الحل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك في موقعك إسلام ويب ونسأل الله أن يحفظكم من كل مكروه وسوء.

بدايةً: ما تشعرين به من ثقل في العبادة، وكسل في الصلاة، وفتور في الهمة؛ ليس دليلًا على بعدك عن الله، بل هو ابتلاء من نوع آخر، يختبر به صدق الإيمان وثبات القلب، وربنا جل وعلا يقول: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} فمن أراد الله به خيرًا، ابتلاه بشيءٍ يُرجعه إليه ويطهر قلبه من التعلق بغيره، وما دام فيك حرص على الطاعة، وندم على التقصير، وبكاء عند الفتور؛ فاعلمي أن الله يحبك، وأنه ما منعك إلا ليعطيك، وما أبطأ عنك إلا ليختبر صدق لجوئك إليه، وجوابا على سؤالك نقول:

أولًا: فهم حالك من الناحية الشرعية:

1. الكسل في العبادة ابتلاء يحتاج إلى مجاهدة، وهدف الشيطان أن يصدَّك عن ذِكر الله وعن الصلاة، يريد أن يثقل عليك العبادة حتى تتركيها، كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}. وقد اشتكى الصحابة -رضي الله عنهم- مثل ما تشكين أنت، فقد «جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ فَسَأَلُوهُ: إِنَّا ‌نَجِدُ ‌فِي ‌أَنْفُسِنَا ‌مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، قَالَ: وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ» (رواه مسلم) أي أن كراهتك لهذا الحال هي دليل على إيمانك. فأنت مؤمنة بحمد الله، لكنك في مرحلة تحتاج إلى جهادٍ للنفس، والله وعد المجاهدين بقوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.

2. العين أو السحر أو المس لا تُنفى، ولكن لا يُعلّق عليها القلب، فنعم قد يكون فيك أثر عين أو حسد، وهذا أمرٌ ثابت في السنة، فقد قال ﷺ «الْعَيْنُ ‌حَقٌّ، ‌وَلَوْ ‌كَانَ ‌شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ» (رواه مسلم). لكن الخطأ أن تُفسَّر كل مشاعر الخمول والضيق بأنها من العين؛ فالمؤمن مأمور بأن يتداوى، ويتحصّن بالأذكار الشرعية، ثم يترك الأمر لله، فهو وحده القادر على الشفاء.

3. البطء في الرزق وتأخر الزواج أو العمل امتحانٌ وليس عقوبة، فليس في تأخر نصيبك ورزقك دليل على أن الله لا يحبك، بل ربما رفع الله درجتك بالانتظار والدعاء، قال تعالى: {فإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}، والنبي ﷺ يقول: «‌وَاعْلَمْ ‌أَنَّ ‌النَّصْرَ ‌مَعَ ‌الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يَسِّرَا» (رواه أحمد)، فاستمري بالدعاء واليقين، واعلمي أن كل أمرٍ يؤخره الله عنك فله حكمة قد ترينها لاحقًا.

ثانيًا: الخطوات الشرعية والعلاج العملي:
1. المحافظة على الأذكار والتحصين اليومي؛ وذلك بأن تجعلي لك وردًا ثابتًا صباحًا ومساءً، يشمل فيه:
• قراءة الفاتحة.
• وقراءة آية الكرسي.
• وقراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة.
• وقراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاثًا.
• قول: «بِسْمِ ‌اللهِ ‌الَّذِي ‌لَا ‌يَضُرُّ ‌مَعَ ‌اسْمِهِ ‌شَيْءٌ ‌فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» من قالها ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لا يَضُرَّهُ شَيْءٌ، وذلك كُلّ يَوْم وَمَسَاءِ. (رواه أحمد وابن ماجه وأبو داود والترمذي).
• قول: «‌حَسْبِيَ ‌اللهُ ‌لَا ‌إِلَهَ ‌إِلَّا ‌هُوَ ‌عَلَيْهِ ‌تَوَكَّلْتُ ‌وَهُوَ ‌رَبُّ ‌الْعَرْشِ ‌الْعَظِيمِ» من قالها سَبْعَ مَرَّاتٍ كَفَاهُ اللهُ مَا أَهَمَّهُ، صَادِقًا كَانَ بِهَا أَوْ كَاذِبًا. (رواه أبو داود والترمذي).
فهذه الأذكار من أعظم أسباب رفع البلاء والعين والكسل، وقد كان النبي ﷺ يواظب عليها كل يوم.

2. الرقية الشرعية بنفسك:
اقرئي على نفسك، أو على ماءٍ تشربين منه وتغتسلين به، الآيات التالية:
• سورة الفاتحة.
• آية الكرسي.
• الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة.
• أول عشر آيات من الصافات.
• وآيات السحر من سورة البقرة {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَـانَ ...} إلى آخرها، وآيات السحر الموجودة في سورة الأعراف ويونس وطه والشعراء.
• سورة الإخلاص والمعوذتين.
• ثم انفثي في الماء واشربي منه واغتسلي به بنية الشفاء، وتوكلي على الله، ولا تلجئي إلى من لا يُعرف علمه أو صلاحه من الرقاة.

3. علاج الكسل في الصلاة:
• استعيذي بالله فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ من الشيطان الرجيم، وقولي: «‌اللَّهُمَّ ‌أَعِنِّي ‌عَلَى ‌ذِكْرِكَ، ‌وَشُكْرِكَ، ‌وَحُسْنِ ‌عِبَادَتِكَ» (رواه أبو داود).
• لو شعرت بثقل، توضئي وضوءًا جديدًا، وغيّري مكانك، واقرئي الأذان بصوت مسموع لنفسك؛ فذلك يُطرد الكسل.
• لا تطلّي في البداية، بل اجعلي صلاتك خفيفة بقلبٍ حاضر، فالله ينظر إلى إخلاصك لا إلى طول ركوعك.

4. تنظيم حياتك:
• احرصي على نوم منتظم في الليل، وعلى غذاءٍ متوازن، ولا تفرّطي في الجهد المنزلي حتى لا يُرهق بدنك عن العبادة.
• اجعلي لك وقتًا يوميًا ولو نصف ساعة للخلوة مع الله، بعيدًا عن الهاتف والضجيج؛ لتقرئي شيئًا من القرآن بخشوع، وابدئي بسورة يسيرة، كـ (سورة الملك) أو (سورة يس)، ولا تلزمي نفسك بالكمّ، بل بالدوام.

5. عدم الانشغال بالمقارنة أو الإحباط؛ فقد قال رسول الله ﷺ: «‌انْظُرُوا ‌إِلَى ‌مَنْ ‌هُوَ ‌أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ» (رواه أحمد وابن ماجه والترمذي).
فلا تنظري إلى من فُتحت لهم الدنيا أو تيسرت أمورهم، بل انظري إلى من ابتُلوا بما هو أشد، فكم من فتاة في مثل عمرك فقدت البصر، وأخرى تصارع المرض، وثالثة تعيش بلا مأوى، وأنت بين كل ذلك في نعمة عظيمة من الإيمان والعافية والعقل والستر! تذكرك لهذه النعم يعينك على تجاوز شعورك بالثقل.

ثالثًا: الرجوع إلى الله بالتوبة والدعاء:
• احرصي على تجديد التوبة دائمًا، فربّ لحظة صدقٍ تفتح لك أبواب النور والبركة.
• قومي في جوف الليل ولو دقيقتين فقط، وارفعي يديك قائلة: (اللهم إني أَمَتُكَ وعبدتك الضعيفة، أثقلتني ذنوبي وضعفت همتي، فاجعل لي من لدنك نورًا وهمةً وعزيمةً وقوة، واصرف عني الكسل والوسواس والعين والحسد، واجعلني من عبادك المخلصين).
• إياك أن تيأسي؛ فإن الله وعد فقال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ}.

ختاما: ما دمت على نية الإصلاح؛ فاعلمي أن الله سيعينك ولو بعد حين، فاستمري في الذكر والدعاء، واحمدي الله على كل نعمة صغيرة، واصبري، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، فاتق الله تعالى، وتوكلي عليه، فإن مَن توكل على الله فهو حسبه، وسيبلِّغه الله تعالى ما قُدّر له من الخير، كما قال تعالى: {‌وَمَنْ ‌يَتَّقِ ‌اللَّهَ ‌يَجْعَلْ ‌لَهُ ‌مَخْرَجاً*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}، واجعلي تقواك صادقًا، وسيأتيك الفرج من حيث لا تتوقعين.

نسأل الله تعالى أن يُقدّر لك الخير حيث كان ويرضّيك به، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً