الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أمي وأختي الكبرى تغتابان الناس ولا أستطيع تجنبهما!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أمي وأختي الكبرى تغتابان الناس، وأحيانًا لا أتوقع منهما ذلك، ولكنهما تفعلان، أنا أمنعهما كثيرًا وأنكر عليهما ذلك، ولكنهما تغضبان عليَّ، فلم أعد أتكلم. للأسف؛ لا أستطيع تجنبهما، وأحيانًا أقول أشياء إيجابية عن شخص، وفجأة تغتابانه على سبيل المزاح أحيانًا، فهل عليَّ ذنب لأني لم أعد أتكلم عندما تغتابان أمامي؟ وماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أولًا: نشكر لك ثقتك بنا "إسلام ويب"، ونحمد الله على استقامتك وصلاحك، زادك الله خيرًا وصلاحًا وإيمانًا.

ثانيًا: الغيبة هي ذكر الشخص في غيبته بما يكرهه، وقد تكون تصريحًا، أو تلميحًا، أو حتى بالإشارة، ولا شك ولا ريب أن الغيبة حرام، ويحرم أيضًا سماعها، وهي من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ [الحجرات:12]، والغيبة هي ذكر الإنسان بما فيه، سواء كان ذلك في دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو خُلُقه، أو ماله، أو أولاده، أو زوجته، أو لباسه، أو حركته، أو غير ذلك مما يتعلق به، مع كراهيته لذلك، وقد خاطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمته في حجة الوداع قائلًا: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟» (رواه البخاري)، وعن جابر -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ ويَدِهِ» (رواه مسلم)، وعن أبي برزة الأسلمي والبراء بن عازب -رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ اتَّبَعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ» (رواه أحمد)، وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ» (رواه أحمد وغيره).

ثالثًا: -يا بُنيتي الصالحة- سماع الغيبة مُحَرَّم أيضًا؛ لأنه إقرار للمُنْكَر، وكما يَحْرُم على المُغْتَاب ذكر الغيبة، يَحْرُم أيضًا استماعها وإقرارها، مع تفهمي لوضعك حيث إنك الصغرى ولا تستطيعين تَرْكَهما، وفي حالة الضرورة، أنكري بقلبك ولن تكوني آثمة -إن شاء الله-، فهو المطلع على القلوب؛ لأنه سبحانه عَلَّامُ الغيوب، ثم ذكِّري أمك وأختك الكبيرة بهذا الحديث، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة يُذْكَرُ من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هِيَ فِي النَّارِ، قال: يا رسول الله، فإن فلانة يُذْكَرُ من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وأنها تتصدق بِالأَثْوَارِ -وهي القطعة من اللبن-، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هِيَ فِي الجَنَّةِ» (رواه أحمد)، وفي حال عدم تقبُّل أمك وأختك الكبرى لنصحك، فالأَوْلَى عدم ذِكْرُكِ لأحد حتى لا تَقَعَا في غيبة أحد.

رابعًا: بعد هذا الاستعراض لأدلة تحريم الغيبة، فعليك ببيان وتحذير أمك وأختك الكبرى من مَغَبَّةِ الوقوع في الغيبة، ومن أجل علاج هذا المرض الذي تَقَعُ فيه أمك وأختك الكبيرة، أخبِريهما أن من وقع في الغيبة فقد تعرَّض لغضب الله ومَقْتِه، وأن حسناته تُؤْخَذُ منه وتُعطى لمن اغتاباه، وأن عليهما الانشغال بإصلاح عيوبهما، فمَن انشغل بعيوب نفسه لم يَرَ عيوب الآخرين، فضلاً عن أن يَقَعَ فيه، مع بيان أن التوبة تَجُبُّ ما قبلها، وأن الإنسان إذا تاب وأناب قُبِلت توبته، مع تكفير ما وقع في الغيبة بالاستغفار لمن اغتاباه، والثناء عليه بما فيه من الخير أمام من اغتاباه.

وطبعًا هذه النصائح تكون بكل أدب ولطف، مع إظهار أن السبب في النصيحة هو الخوف عليهما من مَغَبَّةِ الوقوع في الغيبة وما يترتب عليه من آثار.

وأسأل الله أن يجعل لنصحك القبول، وأن تُوَفَّقِي في إرشاد الوالدة والأخت الكبرى، اللهم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات