الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتعالج من القلق والخوف بعد أن تبت من المخدرات؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جزاكم الله خيرًا لما تقدِّمونه للأمة، وجعل ذلك في ميزان حسناتكم.

أنا أعاني من نوبات قلق منذ ما يقارب 15 سنة، كنت وقتها أستعمل المخدرات (الحشيش، والإكستازي، والكحول) وبدأت الأعراض بعد تناول هذه المواد، وبعدها -ولله الحمد- توقفت عن التعاطي، ودخلت عالم كمال الأجسام، وهناك بدأت بتعاطي المنشطات بجميع أنواعها، والحمد لله منذ 4 سنوات لم أعد أستخدمها، وإنما أمارس الرياضة من أجل الصحة.

والله عز وجل أكرمني بالهداية، فأنا أصلي منذ 10 سنوات، وأكرمني الله بصحبة صالحة، وأنا اليوم أعمل سائق باص، ومتزوج بزوجة صالحة، وعندي ولد وبنت.

بعد أن قرأت كثيرًا في موقعكم، قررت أن أتعالج بعد معاناة سنوات عديدة من الأعراض النفسوجسدية: خفقان قلب شديد، ودوخة، ووجع بطن مستمر، وأشعر أنني سيُغمى عليّ في مواقف معينة.

يصيبني هذا عندما يكلمني المدير في العمل مثلًا، أو عندما أكون إمامًا في الصلاة، أشعر أنني سوف يُغمى عليّ، أو عندما أكون في درس ويكون الصف أو المجلس فيه حضور، مع أنني شجاع لا أخشى شيئًا إلا الله عز وجل، لكن هذه الأعراض تتحكم في حياتي، وبدأت أتجنب كثيرًا من المواقف خوفًا من أن تأتيني النوبة مرة أخرى.

كنت قد أخذت نصف حبة دواء "سيرترالين" قبل أربع سنوات عندما قررت أن أتعالج، لكنني شعرت أنني سوف أموت من شدة الخوف والأعراض التي سببها لي الدواء، ومن وقتها لم أجرؤ على تناول أي دواء.

زرت معالجًا نفسيًا لأخذ جلسات، فحوّلني إلى طبيب نفسي، وقال لي إنه يجب عليّ أن أتناول دواء، والطبيب النفسي شخَّص حالتي بالقلق العام ونوبات القلق، ووصف لي "بروزاك" 20 ملغ مع "إندرال" 10 ملغ صباحًا ومساءً، لكنني لم آخذ العلاج خوفًا من الدواء، ولم أرجع إلى المعالج النفسي.

والآن أنا عازم على العلاج، وسؤالي لكم: ما رأيكم بالدواء الموصوف لي، هل أتناوله هكذا؟ وماذا أفعل مع الأعراض إذا جاءتني؟ ومتى أستطيع أن أبدأ بالعلاج؟

مع العلم أنني قبل أسبوع أجريت عملية في ركبتي بسبب تمزق في الغضروف الهلالي (المنيسكوس - Meniscus)، والآن أتناول حقنًا لتمييع الدم؛ لأنني جالس في الفراش -حقنة واحدة في اليوم-.

أنا الآن في عطلة طويلة من العمل، وأريد أن أستغل الوقت لعلاج نفسي أيضًا، مع العلم أنني محافظ على الصلاة، وسورة البقرة، وأذكار الصباح والمساء، والأكل الصحي، والرياضة.

بارك الله بكم، سامحوني على الإطالة، وأسأل الله أن يجمعنا مع الرسول ﷺ في الفردوس الأعلى.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الأخ الفاضل: شكرًا جزيلًا على رسالتك، وشكرًا على إشادتك بالموقع وما يقدمه، أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يكون فيه خير كثير للجميع، وأشكرك على الرسالة الطويلة التي ذكرت فيها كثيرًا من التفاصيل عن حالتك.

أولًا: دعني أهنئك وأبارك لك أنك تحافظ على صلاتك، وعلى قراءة سورة البقرة، وأذكار الصباح والمساء، والأكل الصحي، والرياضة، وكل هذه -إن شاء الله- من الأشياء الإيجابية التي يمكن أن تُخلّصك من كثير من هذه المتاعب النفسية التي ذكرتها.

ثانيًا -أخي الفاضل-: ذكرت أنه تم تشخيص حالتك بالقلق العام، ونوبات القلق المستمرة أصبحت هاجسًا لك، رغم أنك تناولت علاجًا في فترة ما، ولكنك لم تستمر عليه، وكذلك رغم أنه قد تم تغيير العلاج إلى الـ (بروزاك - Prozac) مع الـ (اندرال - Inderal)، ولكنك لم تستخدمه خوفًا من العلاج نفسه، كما أنك أيضًا لم ترجع إلى المعالج النفسي الذي كان يقوم بمساعدتك.

لعل السؤال الآن هو: هل أنت عازم على العلاج؟ هل ترجع إلى العلاج الموصوف وتتناوله، أم ترجع إلى العلاج النفسي، أم الاثنين معًا؟

دعني أقول لك: إن الخطة العلاجية الموضوعة لعلاج القلق العام لديك هي خطة ممتازة، ولا يوجد فيها أي إشكال، الدواء الأول هو استخدام البروزاك (20 ملغ)، يمكن أن يكون في ذلك تخفيف للقلق بدرجة كبيرة جدًّا، مع استخدام الإندرال فقط للأعراض إذا كانت هناك أعراض مصاحبة، مثل زيادة ضربات القلب أو غيرها، لكن ليس هو علاجًا أساسيًا للقلق، وإنما البروزاك يظل هو العلاج الرئيسي.

كذلك الرجوع إلى المعالج النفسي، المعالج النفسي قد يستخدم معك بعض أنواع التدخلات العلاجية التي يمكنك بواسطتها إعادة ترتيب طريقة تفكيرك وحياتك اليومية بالشكل الذي يتيح لك فرصة التخلُّص من الأعراض اليومية بشكل إيجابي.

ذكرت أنك الآن في فترة نقاهة من علاج تمزق الغضروف، وأتمنى لك الشفاء في ذلك، وهذه فرصة طيبة؛ إذ يمكنك من خلال وجود وقت معك أثناء اليوم أن تبدأ بالاتصال بالمعالج النفسي، ومن ثم ممارسة بعض التمارين النفسية التي يمكن أن تُساعدك على التخلُّص من هذه الأعراض النفسية.

ومن المهم جدًّا أن أشير إلى أن هذه الأدوية التي تُستخدم لعلاج القلق هي من الأدوية التي تمت عليها الكثير من الدراسات، وأنها آمنة، وليست هناك مشاكل في استخدامها، هنالك أعراض جانبية، مثلها مثل أي أدوية، ولكن هذه الأعراض الجانبية يمكن التحكم فيها، كما أنها أيضًا تحدث في نسبة قليلة جدًّا جدًّا عند بعض الأشخاص، ومنها ما حدث لك مثلًا في موضوع الـ (سيرترالين - Sertraline)، لكن جرعة السيرترالين التي أخذتها قبل أربع سنوات كانت جرعة قليلة أيضًا، ولذلك ربما لم تكن جرعة علاجية بالدرجة التي يمكن أن تخلّصك من كل الأعراض.

أمَّا استخدام البروزاك؛ فإن شاء الله يكون فيه شفاء، وهناك أيضًا أدوية أخرى كثيرة خلاف البروزاك يمكن استخدامها، ولكن دعنا نبدأ بواحد من العلاجات على الأقل، والاستمرار عليه بشكل منتظم، ثم ممارسة الأشياء التي ذكرتها بشكل منتظم، حتى ولو ممارسة القليل من التمارين الرياضية الخفيفة، وكذلك تمارين الاسترخاء التي تساعدك على الاسترخاء.

ولا يفوتني أن أثمِّن وأُثني على موضوع التزامك ومحافظتك على الجوانب الروحية المهمة في حياتك، ومن ذلك: المحافظة على الصلاة في وقتها، والحرص على قراءة القرآن -خاصة سورة البقرة وآل عمران-، وحرصك على أذكار الصباح والمساء، والأكل الصحي، والتمارين الرياضية؛ فكل هذه الأشياء تساعد -إن شاء الله- في التخلُّص من نوبات القلق التي ذكرتها.

أسأل الله أن يكون في الإجابة الفائدة لك، وإذا شعرت بأن هناك صعوبة في الرجوع إلى المعالج النفسي؛ يمكن التغيير إلى معالج نفسي آخر، فليس هذا أيضًا أمرًا ثابتًا، ولكن من المهم جدًّا أن تبدأ رحلة العلاج الآن، ولا تؤخرها أكثر من ذلك.

نسأل الله لك الشفاء.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً