الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفكار ووساوس تشوش على نيتي في ارتداء الحجاب: كيف أتخلص منها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.

مشكلتي بدأت منذ أيام، أصبحت كلما أمر برجال في الشارع، ومظهرهم يدل على الالتزام أبدأ بالتفكير مباشرةً بأني سأنال إعجابهم لأني أرتدي الحجاب، وقد أحظى بأحدهم زوجًا في المستقبل، وبدأ هذا الشعور يسيطر علي، حتى إني بدأت أشعر بأني غير مخلصة لله في ارتداء الحجاب، وأني أرتديه للحصول على زوج صالح.

ولكن نيتي أصلاً بأني أرتديه طاعةً لله، وهو فرض على المرأة المسلمة، وأنه سواء رزقني الله بزوج أم لا، فأنا أرتدي الحجاب لله، امتثالاً لأمره، وخوفًا من عقابه، كما أني أحب الحجاب، وأشعر بالعزة حينما أخرج به.

كما أنني بعد التحاقي بحلقة تحفيظ القرآن الكريم، كانت نيتي منذ البداية إحاطة نفسي بالرفقة الصالحة، والتعلم من أخلاقهن، وتزكية نفسي، والآن أصبحت أشعر أني حين أذهب للمسجد بحجاب حسن ومرتب، أني لست مخلصةً لله في ذلك، وأني ذاهبة فقط لنيل إعجاب إحدى النساء اللاتي معنا، لعلها تختارني زوجةً لابنها.

ليست هذه غايتي، وأعلم أن من كان من نصيبي سيأتيني في وقته الذي اختاره الله، ولكن هذه الأفكار تتعبني، ولم أعد أستطيع أن أميز، إن كانت هذه بالفعل نيتي أم هي وساوس.

وكذلك احتسبت نيتي في الدراسة لله، ونفع المسلمين، وكلما سألتني إحدى النساء عن دراستي أخبرتها بذلك، ثم أشعر أني أسمّعها، لأني حدثتها عن عمل أتعبد به لله، وأني أخبرتها بذلك لتعجب بي، وتختارني زوجةً لابنها.

وأيضًا حينما أغض بصري في الشارع تحدثني نفسي أني أفعل ذلك ليعجب بي الرجال، ويقولون عني بأني فتاة محترمة، وصالحة، ويرتضونني زوجةً.

لا أنكر أبدًا أني أريد الزواج، وأدعو الله دومًا أن يرزقني زوجًا صالحًا مُصلحًا، وهذا ما جعلني أشك في نيتي أكثر، هل فعلاً أنا أفعل كل هذا لأنال زوجًا صالحًا؟ هل أطلب عرض الحياة الدنيا بعمل الآخرة؟ وماذا لو كان عملي مردودًا علي، وأنا أظن أني أحسن صنعًا؟ وهل أنا غير مخلصة؟

أدعو الله في كل مرة أن يصلح فساد قلبي، ويصلح نيتي، وأن يرزقني الإخلاص في القول، والعمل، والقصد، وأستعيذ به سبحانه من الشرك، والرياء، والسمعة، ولكني خائفة من أني أشركت مع الله غيره.

احترت، ولا أعلم ماذا أفعل؟ فكلما أردت محاسبة نفسي، ومراجعة أفعالي ونيتي لأفهم المشكلة، وكلما حاولت أن أصلح، تتشعب بي الأحوال أكثر.

أرجو مساعدتي، أريد أن أكون مخلصةً لله، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ تسنيم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بكِ -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نهنئكِ بفضل الله تعالى عليكِ، ومنته بما وفقكِ إليه من الطاعات، ونسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياكِ على الخير حتى نلقاه.

ثانيًا: نود أن نؤكد على مسألة مهمة، وهي الجمع بين الخوف من الرياء، وهذا أمرٌ مطلوب من الإنسان المسلم، وأن يبقى دائمًا حذرًا من أن يقع في الرياء، ويُحسن مراقبة نفسه، ومراقبة نيته من الفساد، ويستعين بالله -سبحانه وتعالى- على ذلك، فهذا أمرٌ مطلوب، وقد أرشد إليه الشرع في نصوص القرآن الكريم، وأحاديث الرسول العظيم ﷺ.

وعلّمنا النبي ﷺ أن ندعو الله تعالى في كل صباح ومساء بقولنا: «اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بك أن أُشرِكَ بك وأنا أعلمُ، وأستغفِرُك لما لا أعلمُ» وهذا الدعاء علّمه النبي ﷺ لصِدِّيق هذه الأمة، وأفضل الناس بعد رسول الله ﷺ، وهو أبو بكر الصديق -رضي الله عنه وأرضاه- فكيف بنا نحن؟

فهذا جانب مهم مطلوب من الإنسان، ولكن الجانب الآخر لا يقل أهمية عنه، وهو الحذر من تسلُّط الشيطان على الإنسان بالوسوسة وتشكيكه في نيته، فإن هذا الوسواس باب شر عظيم، وإذا تسلَّط على الإنسان أوقعه في أنواع من المشقَّة والضيق والحرج.

وغاية ما يُريده الشيطان من سلوك هذا المسلك، هو تثبيط الإنسان عن العبادات والطاعات وصرفه عنها، ولكنه يتحيّل عليه ويأتيه من الباب الذي يحبه، فلما رآه حريصًا على دينه، حريصًا على إخلاص عمله لله، جاءه من هذا الباب، فأدخل عليه التنطع، والزيادة، والتشكيك في الإخلاص، وهكذا يستمر به قليلًا قليلًا حتى تُصبح الأعمال عليه شاقَّةً، ويتخيَّل أنه لا يعمل شيئًا إلَّا بفساد دينه، وأنه بدل أن يذهب إلى الجنة بأعماله الصالحة، فإنه سيذهب إلى النار، وينتهي المطاف به إلى أن يترك هذه العبادات، حذرًا على نفسه من الشرك ومن النار.

فهذه هي الخطة العملية للشيطان، التي يريدُ بها صرف الإنسان عن عباداته وطاعته، ومن هنا يجب على الإنسان أن يكون حذرًا من الوقوع في فخ الشيطان، وأن يتجنب المضي معه في هذا الطريق، وأن يطرد عن نفسه هذه الوساوس، وذلك بعدم الاعتناء بها، وعدم الأخذ بما تمليه عليه من أفكار، أو أحكام، أو تصرفات، ويُكثر من الاستعاذة بالله تعالى، ويُكثر من ذكر الله تعالى.

ونحن لمسنا في استشارتكِ أنكِ -ولله الحمد- تقصدين بأعمالكِ وجه الله تعالى، وتريدين ثوابه -سبحانه وتعالى- ولكن الشيطان يريد أن يلبّس عليكِ أعمالكِ، ويثقلها عليكِ، ويزهدكِ فيها بهذا الوسواس، الذي بدأه معكِ في شأن الإخلاص والنية، فلا تلتفتي إلى هذه الوساوس مطلقًا، واستمرّي على ما أنتِ عليه، واقصدي بعملكِ وجه الله، وأكثري من تذكير نفسكِ بأهمية الإخلاص، وداومي على الأدعية، ومنها هذا الدعاء العظيم الذي ذكرناه، الدعاء الذي عَلَّمه رسول الله ﷺ لأفضل الناس في هذه الأمة.

استمرّي على هذا، ولا تلتفتي إلى الوساوس، وستجدين نفسكِ -بإذن الله تعالى- قد تخلصتِ من ذلك.

ومما يعينكِ على الإخلاص أن تُخفي العمل الذي لا يُطلب إظهاره، فحاولي أن تكون أعمالكِ التي يمكن إخفاؤها أن تكون مخفية، ولا حرج عليكِ إذا أظهرتها بقصد اقتداء الآخرين بكِ في ذلك؛ فإنه لا حرج على الإنسان في أن يُظهر العمل الصالح لمصلحة.

وأمَّا حرصكِ على الزواج فهو أمر مُبرَّر، لا غضاضة عليكِ فيه، ولا حرج عليكِ في ذلك، كما أنه لا حرج عليكِ في التجمل والتحسُّن أمام النساء، وأن تلبسي ما يلفت أنظارهنَّ إليكِ، ويرغبهنَّ فيكِ، فهذا ممَّا جَوَّزه الشرع وأباحه، وإنما الممنوع أن تتزيني أمام الرجال الأجانب.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقكِ لكل خير، وأن يعصمكِ من كل شر، ويصرف عنكِ كل مكروه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً