الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لعبت القمار بنية استرجاع أموال صديقي التي خسرها..فما تعليقكم؟

السؤال

أنا لا أقبل المال الحرام، ولكن أحد الأصدقاء كان قد خسر مبلغًا في ألعاب القمار الإلكترونية، فقمت بالدخول وخسرت مبلغًا كبيرًا، وهو تعب سنين، ولكني تبت إلى الله.

كنت أسأل أولًا، وأنا أعلم أن هذا حرام، ولكن هل هذا ناتج عن حسد؟ لأني دخلت مكان صديقي لاسترجاع أمواله فقط، وليس للكسب من ذلك القمار، فأشعر أن ذلك حسد.

ملحوظة: كنت قد لعبت قبل ذلك، وخسرت مبلغًا، ودعوت الله إن عاد لن أرجع للعب، ثم عدت وتوقفت فترة، ودخلت مرة أخرى، ولعبت بنية أنه إن كسبت سأوزع المبلغ على الفقراء، وفعلت ذلك ولم أدخل بيتي جنيهًا واحدًا.

أما المرة الثالثة فهي كما ذكرت أولًا، أني دخلت لاسترجاع مال صديقي، ولكنني خسرت، فما تفسيركم شيخنا الجليل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع -أيها الحبيب- ونشكر لك حرصك على السؤال عن الحرام والحلال.

القمار -أيها الحبيب- من المكاسب الخبيثة التي حذَّرنا الله تعالى منها في كتابه الكريم، وأخبرنا أنها من تزيين الشيطان وتسويله، فقال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [المائدة:91]، والميسر هو القمار.

ولا يخفى عليك أن الرسول ﷺ قد أخبر في الحديث: «أيُّ جَسَدٍ نَبَتَ على السُّحْتِ فالنَّارُ أولى به» (رواه الطبراني وصححه الألباني)، فالإنسان إذا أكل الحرام -والعياذ بالله- وتغذَّى به؛ فإنه يصبح مُؤهَّلًا لفعل الذنوب والمعاصي التي تكون نهايتها وعاقبتها دخول النار.

كما أن أكل الحرام قد أخبر الرسول ﷺ أنه سبب للحرمان من إجابة الدعاء، والإنسان تمر به مضايق وشدائد في حياته، وستمر به شدائد ومضايق بعد مماته، وهو أحوج ما يكون إلى الله تعالى، فكيف يتعاطى الأسباب التي تحول بينه وبين إجابة الله تعالى له وتفريجه لكرباته؟!

وإذا قارنت -أيها الحبيب- بين العقاب الذي ينتظر الإنسان والحرمان الذي يتعرض له، إذا قارنت ذلك كله بلذَّة تحصيل هذا المال بهذه الطريقة، فإنك لن تجد سبيلًا للمقارنة، فإذا استعملت عقلك على هذا النحو، فإنه سيكون مانعًا لك من الانجرار وراء شهوة النفس في مقارفة هذا الذنب، فالله تعالى سمى العقل "حِجْرًا"، أي مانعًا للإنسان من الذنوب والسيئات، وإنما يكون مانعًا حينما يُقارن مُقارنات صحيحة وينظر في الأمور نظرًا سليمًا.

أمَّا ما ذكرته -أيها الحبيب- من كونك أردت بالمشاركة في القمار أو لعب القمار استرجاع مال صديقك، فهذه النية لا تُصَيِّر الحرام حلالًا ولا تنفعك، فلا يجوز لك أن تكتسب المال بالقمار ولو بقصد استرجاع مالك أنت الذي خسرته أو استرجاع مال غيرك.

وكذلك لا يجوز لك أن تكسب المال بالقمار بقصد أن تتصدق به على الفقراء؛ فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلَّا طيبًا، هكذا قال الرسول ﷺ: «إنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقبَلُ إلَّا طَيِّبًا» (رواه مسلم)، والله تعالى قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة:267]، وقال: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ [البقرة:267].

فلا تنفعك هذه النيات وهذه المقاصد في فعلك لهذا الحرام، وإنما تعرض نفسك لعقاب الله تعالى وسخطه، وتذكَّر -أيها الحبيب- أن غضب الله تعالى لا تقف أمامه الجبال، فكيف ستقف أنت أمامه وأنت مخلوق ضعيف؟!

إذا ذكَّرت نفسك بالوقوف بين يدي الله والسؤال والحساب، وتذكَّرت الجنة والنار، وتذكَّرت الوقوف في عرصات يوم القيامة الذي قال عنه النبي ﷺ: «يَنظُرُ أحَدُكُم عن يَمينِهِ فلا يَرى إلَّا ما قدَّم، ويَنظُرُ عن شِمالِهِ فلا يَرى إلَّا ما قدَّم، ويَنظُرُ تِلقاءَ وَجهِهِ فلا يَرى إلَّا النَّارَ، فاتَّقُوا النَّارَ» (رواه مسلم).

تذكر هذه المواقف -أيها الحبيب- وحينها ستقرر أنك سترحم نفسك، وستجنِّبُها الوقوع في هذا الذنب العظيم، نسأل الله تعالى أن يتوب علينا وعليك.

وأمَّا محاولتك لتفسير ما حصل بأنه ناشئ عن حسد؛ فهذا من تلاعب الشيطان بك، فأنت واقع فيما هو أكبر من كونك تُحسد، وهو في الحقيقة انشغال في غير النافع، والرسول ﷺ يقول لك: «احرِصْ على ما يَنفَعُكَ، واستَعِنْ باللهِ، ولا تَعجِزْ» (رواه مسلم).

فلا تشتغل بغير ما هو مطلوب منك، المطلوب منك أن تجتنب هذا الحرام، وأن تُذكِّر نفسك بعقوبات الله تعالى وغضبه وسخطه، وأن تُرافق الصالحين والطيبين ليكونوا إعانة لك على تجنب الحرام.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يقينا وإياك شرور أنفسنا، وأن يتوب علينا وعليك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً