الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عصبيتي تزداد أثناء نوبات الهلع ..فهل من حل لها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعاني منذ أكثر من 10 سنوات من نوبات هلع شديدة مرتبطة بالخوف من الموت والبعث، تظهر على فترات متقطعة، وتؤثر بشكل كبير على قدرتي في التواصل مع الآخرين، خلال هذه النوبات، أدخل في حالة من الصراخ والفزع، مع أنني أظل مدركة لما يدور حولي.

ومنذ زواجي قبل أربع سنوات، بدأت أحاول كبت هذه الأعراض، لكن مع تراكم ضغوط الحياة وتفاقم المشكلات، بالإضافة إلى شعوري بأن حياتي الزوجية لم تكن ناجحة كما كنت آمل، تفاقمت حالتي النفسية، فأصبحت أعراض الهلع تظهر ليس فقط في أوقات التوتر، بل حتى في فترات الهدوء، ومع محاولتي المستمرة لكبح تلك الانفعالات، أصبحت عصبيتي تزداد بشكل ملحوظ.

للأسف، انعكست هذه الحالة على طفلتي التي لم تتجاوز الثالثة من عمرها؛ حيث أجد نفسي قاسية عليها، أضربها كثيرًا، وأثور لأتفه الأسباب، وأحاول دون وعي أن أفرض عليها صورة مثالية لتعويض فشلي الشخصي، وهو ما يؤلمني بشدة.

أنا في حاجة ماسة إلى المساعدة؛ كي أتمكن من السيطرة على انفعالاتي وحماية طفلتي من تبعات غضبي، كنت قد فكرت في تناول مهدئات، لكن أختي أثنتني عن ذلك خوفًا من الإدمان.

ما الذي يمكنني فعله للحفاظ على استقراري النفسي وتوفير بيئة آمنة ومليئة بالحب لطفلتي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ .... حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن سمات الهلع والخوف من الموت والتي تنتاب الإنسان من وقت لآخر دليل على وجود ما نسميه بنوبات الهلع أو الهرع، أو الاضطراب الفزعي، وهي حالة من حالات القلق الحاد، قد تنتهي في بعض الأحيان بتصرف هستيري كما ذكرت، خاصة إذا كان الإنسان لديه ميول أو استعداد للقلق والتوتر، وأعتقد أن شخصيتك في الأصل تحمل سمات القلق والاندفاعية الزائدة، وهذا كله يؤدي إلى درجة بسيطة من الاكتئاب النفسي تكون في الأساس انفعالات زائدة وسلبية، وعسر في المزاج يؤدي إلى عصبية شديدة.

ولا شك أن القسوة على الطفلة وضربها -بالصورة التي ذكرتها- هو أمر خاطئ، ومهما بلغ بك التوتر والانفعال لا بد أن تتذكري أن هذه ابنتك وهي نعمة من نعم الله عليك، ويجب أن تتذكري دائمًا أن حب الآباء والأمهات لأبنائهم وبناتهم حب غريزي وجبلي وفطري، وعليك أن توقفي نفسك من هذا الفعل، وذلك بالمحاورة الداخلية، بتذكر أن ما تقومين به ليس طريقة صحيحة، وسوف يكون لها عائد سلبي على ابنتك من كل النواحي التربوية.

التعبير عن الانفعالات يجب ألا تكون بهذه الطريقة مطلقًا، وأنا أنصحك أولًا أن تتأملي وتتفكري في حياتك، ابحثي عن الجوانب الإيجابية حتى وإن كانت بسيطة، انظري إليها نظرة سليمة وصحيحة ومتفائلة، وحاولي تدارك السلبيات، انظري إلى المؤسسة الزوجية (الأسرة) نظرة طيبة ونظرة بناء، ليست نظرة تدمير، اجعلي لنفسك مساهمة إيجابية في استقرار بيتك وزواجك وابنتك، وهذا كله يتأتى عن طريق الحوار مع الذات، أن تحاوري نفسك، أن تقولي لنفسك: (لماذا أتصرف هكذا؟ أنا -بفضل الله تعالى- أنعم الله علي بالزوج، وأنعم عليّ بهذه الابنة، أنا أفضل من غيري، حتى وإن لم تكن حياتي الزوجية مثالية، إلا أنني يجب أن أكون قنوعة، وأن أحمد الله على هذه الحياة، وأحاول أن أصلح حال أسرتي وشأنها، وأعمل على استقرارها)، المرأة الذكية هي المرأة التي تحافظ على بيتها وعلى زواجها بصورة جيدة وطيبة مهما كانت هنالك سلبيات.

ثانيًا: نصيحتي الأخرى لك هي أن لا تكتمي، حاولي أن تعبري عن نفسك بقدر المستطاع؛ لأن الكتمان لدى الإنسان القلق والمتوتر يؤدي إلى تشنجات وانفعالات نفسية سلبية تظهر في شكل عصبية وتصرفات هستيرية، إذن فالتعبير عما في داخل النفس وسيلة من وسائل التفريغ النفسي الذي اعتبرها العلماء من الطرق الجيدة والمفيدة جدًّا.

ثالثًا: عليك أن تمارسي تمارين تعرف بتمارين الاسترخاء، فهي تمتص -إن شاء الله- الطاقات النفسية السلبية، خاصة طاقة القلق الشديد والعصبية، لتطبيق هذا التمرين اجلسي في مكان هادئ، كالغرفة مثلًا، ويجب أن لا يكون هنالك إزعاج أو ضوضاء حولك، تأملي وتفكري في حدث طيب وسعيد في حياتك، أغمضي عينيك، وافتحي فمك قليلًا، وبعد ذلك خذي نفسًا عميقًا وبطيئًا عن طريق الأنف، واجعلي صدرك يمتلئ بالهواء، وأمسكي بعد ذلك الهواء في صدرك لفترة قصيرة، ثم أخرجي الهواء عن طريق الفم، ويجب أن يكون إخراجه أيضًا بقوة وشدة ومنطلقًا من الحجاب الحاجز، كرري هذا التمرين خمس مرات متتالية، بمعدل مرة في الصباح ومرة في المساء، لمدة ثلاثة أسابيع، ثم مرة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أسابيع أخرى.

تمارين الاسترخاء من أفضل ما يمكن أن يساعد به الإنسان نفسه ليكون مسترخيًا، وتزول عنه نوبات الغضب والعصبية، هذه التمارين فقط تتطلب التركيز والجدية والاستمرار في التطبيق، ويمكنك أيضًا أن تتحصلي على كتيب أو شريط أو سي دي، يوضح كيفية ممارسة هذه التمارين، علمًا بأنه توجد تمارين أيضًا لاسترخاء العضلات، وكذلك ممارسة الرياضة، كرياضة المشي مثلًا فيها فائدة وخير كثير.

إذا كنت تتناولين الشاي والقهوة بكثرة، فأرجو أن تخففي من ذلك؛ لأن الكافيين بجرعات كبيرة ربما يثير لدى بعض الناس شيئًا من الحساسية النفسية الداخلية التي تؤدي إلى العصبية.

بالنسبة للعلاج الدوائي، فأرى أنك في حاجة للعلاج الدوائي، وأنا أقول لك: إن الأدوية سليمة جدًّا، ونحن -إن شاء الله- سوف نتجنب تمامًا أن نصف لك أي دواء يحمل أي صفات إدمانية، من أفضل الأدوية التي يمكنك تناولها دواء يعرف تجاريًا باسم (زولفت Zoloft)، أو يسمى باسم (لسترال Lustral)، ويسمى علميًا باسم (سيرترالين Sertraline)، ويسمى في مصر تجاريًا باسم (مودابكس Moodapex).

أرجو أن تتحصلي على هذا الدواء والذي لا يحتاج لوصفة طبية، ابدئي بجرعة واحدة (50 مليجرام)، تناوليها ليلًا بعد الأكل، استمري على هذه الجرعة لمدة شهرين، ثم ارفعي الجرعة إلى حبة صباحًا ومساءً لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم خفضيها إلى حبة واحدة لمدة ثلاثة أشهر، ثم حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

أنا أؤكد لك وبصورة قاطعة أن الدواء سليم، غير إدماني، ولا يؤثر مطلقًا على الهرمونات النسوية، فقط لا نحبذ استعمال هذه الأدوية في فترة الحمل الأولى.

وعليك أن تطبقي ما ورد في السنة المطهرة في كيفية التعامل مع الغضب وإدارته، فحينما تحسين ببوادر الغضب والعصبية الأولى، كالشعور بالشد في الجسم والغليان الداخلي، وتسارع ضربات القلب وهكذا، عليك بالاستغفار، غيري مكانك، غيري موقعك، وانفثي ثلاثًا على شقك الأيسر، وحبذا أيضًا لو توضأت وصليت ركعتين، -أيتها الفاضلة الكريمة- هذا العلاج من صميم الطب النبوي، وهو مفيد جدًّا، فأرجو أن لا تحرمي نفسك منه.

نصيحتي الأخرى لك أيضًا: هي أن تديري وقتك بصورة جيدة، وزعي نشاطاتك لإدارة شؤون المنزل، والتواصل الاجتماعي، والجلوس مع الزوج، والاهتمام بالطفلة، وزيارة الأهل، هنالك أشياء كثيرة يمكن من خلالها أن تجدي أن القلق والعصيبة والتوتر قد ذهبت تمامًا -بإذن الله-.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً