السؤال
إخواني الكرام لقد قرأت عدة فتاوى لكم في تحريم سماع الموسيقى وكنتم دوما تستشهدون برأي ابن حجر الهيثمي والقرطبي وغيره لكنكم لم تعرضوا رأي الفقهاء الأربعة ولقد قرأت أنا في كتاب الفقه الإسلامي للشيخ وهبة الزحيلي أن اتفاق المذاهب الأربعة على أن من أدام سماع الآلات التي تطرب كالعود والطنبور والمعزفة والمزمار والرباب وغيرها من ضرب الأوتار والنايات والمزامير كلها فمن أدام استماعها ردت شهادته وأما استعمالها فيحرم باتفاق المذاهب. انتهى كلامه، فالذي فهمته من هذا النص وهو إذا أردتم التأكد منه في المجلد الثالث صفحة رقم 574 فهذا الكلام يعني أن من يديم استماع الموسيقى تسقط مروءته ولا تقبل شهادته ولم يذكر أنها محرمة لكن ذكر طبعا أن كما ذكرتم في كل الفتاوى التي وقعت عليها فما قولكم جزاكم الله خيراً.... كما ذكر في نفس المجلد أن مالكا والظاهرية وجماعة من الصوفية أباحوا السماع ولو مع العود واليراع وهو رأي جماعة من الصحابة (ابن عمر وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن الزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم وجماعة من التابعين كسعيد بن المسيب، وأريد الاستفسار على أنه كما ورد آنفا أن السماع لذلك يرد الشهادة، فهل هذا يعني أنها مكروهة كراهة تحريمية، وهل يأثم المرء في إتيان عمل يسقط مروءته؟ وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة
خلاصة الفتوى:
سماع الغناء مع آلة موسيقية محرم باتفاق المذاهب الأربعة واستدامته مسقط للشهادة ومخل بالمروءة التي تجب المحافظة عليها ويحرم الإقدام على ما يخل بها، وسماع الغناء بغير آلة مكروه عند أصحاب المذاهب الأربعة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فسماع الغناء مع آلة موسيقية محرم بإتفاق المذاهب الأربعة، وكون من أدام الاستماع إليها ترد شهادته لا يدل على الكراهة بل هو للتحريم، وأما الغناء بغير آلة فاستماعه مكروه عند المذاهب الأربعة أيضاً، وإليك تفصيل كلام أهل العلم في المسألة:
قال ابن قدامة في المغني وهو حنبلي: فصل: في الملاهي: وهي على ثلاثة أضرب، محرم، وهو ضرب الأوتار والنايات، والمزامير كلها، والعود، والطنبور، والمعزفة، والرباب ونحوها، فمن أدام استماعها ردت شهادته لأنه يروى عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا ظهرت في أمتي خمس عشرة خصلة، حل بهم البلاء. فذكر منها إظهار المعازف والملاهي. انتهى.
وفي أسنى المطالب ممزوجاً بروض الطالب وهو شافعي: (فرع الغناء) بكسر الغين والمد (وسماعه) يعني استماعه (بلا آلة) أي كل منهما (مكروه) لما فيه من اللهو لقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ. قال ابن مسعود هو الغناء. رواه الحاكم وصحح إسناده... وإنما لم يحرما لخبر الصحيحين عن عائشة: قالت دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر لكل قوم عيد وهذا عيدنا. (و) استماعه بلا آلة (من الأجنبية أشد) كراهة (فإن خيف) من استماعه منها أو من أمرد (فتنة فحرام قطعاً... إلى أن قال: (وأما الغناء على الآلة المطربة كالطنبور والعود وسائر المعازف) أي الملاهي (والأوتار) وما يضرب به (والمزمار) العراقي وهو الذي يضرب به مع الأوتار (وكذا اليراع) وهو الشبابة (فحرام) استعماله واستماعه. انتهى.
وفي رد المحتار وهو حنفي: واستماع ضرب الدف والمزمار وغير ذلك حرام وإن سمع بغتة يكون معذوراً ويجب أن يجتهد أن لا يسمع. انتهى.
وفي شرح الدردير على مختصر خليل المالكي: (وسماع غناء) بالمد متكرراً بغير آلة لإخلال سماعه بالمروءة وهو مكروه إذا لم يكن بقبيح ولا حمل عليه ولا بآلة وإلا حرم. انتهى.
وأما ما حكاه من حل الملاهي وعزاه إلى جماعة من السلف فلعله اعتمد على ما حكاه قبله الشوكاني في نيل الأوطار وهو حكى أقوالاً بغير أسانيد واعتمد في بعضها على كتب ليست معتمدة للنقل عنها كالعقد الفريد.
والله أعلم.