السؤال
أرجو أن تفتوني في المسألة التالية والتي قلبت حياتي رأسا على عقب ولم أجد طعم الراحة مند حدوثها... اتصلت امرأة عندي في البيت ولما رفعت السماعة فإذا بها تسأل عن رجل وقد ذكرته باسمه، ظننت بأنها امرأة ساقطة وما أكثرهن هذه الأيام في الجزائر، فأجبت بغضب وبسرعة وبكلمة واحدة بأن هذا الشخص قد مات وقطعت الخط مباشرة، في الغد اتصل بي شخص وأساء الأدب معي في كلامه وقال بأن تلك المرأة التي اتصلت بك قد أجهضت البارحة على الواحدة ليلا، قطعت الهاتف من المفاجأة، لكن بعد ذلك بدأت أفكر في هذا الأمر ملياً وقلت ربما قد أكون قتلت نفسا بالخطأ وأنا لا أدري، ومما زاد الأمر تعقيداً هو أنني لا أدري إن كان الذي اتصل يقول الحقيقة أم هو كاذب، وإن كان ما قال صحيحا هل كان الإجهاض قبل أن تنفخ الروح أم بعد أن نفخت الروح... والأهم هو أنه ليست لدي أية وسيلة للاتصال بهؤلاء الناس لمعرفة الإجابة الصحيحة ولا أعرف إن كانوا سيعفون عني أم لا في حالة ما إذا كان الإجهاض بعد أربعة أشهر أي بعد نفخ الروح في الولد، فأنا والله لا أملك مالا لأدفع به دية القتل الخطأ، فأفتوني في أمري جزاكم الله عني كل خير وتقبلوا مني فائق الاحترام والتقدير.. إن استطعتم أن تجيبوني كتابيا فسأكون ممتنا لكم وشاكراً لكم جزيل الشكر؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن المسلم يجب أن يحفظ لسانه، ولا يطلق له العنان بلا مبالاة، ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم. وهذه الكلمة التي ترتب عليها ما ذكرت أيضاً من الكذب، لأن الكذب -كما عرفه أهل العلم- هو الإخبار بالشيء بخلاف ما هو عليه على وجه العلم والتعمد، فالواجب -إذاً- أن تتوب إلى الله مما صدر منك، وأن لا تعود إلى مثله.
وفيما يخص موضوع سؤالك، فإن أهل العلم قد أكدوا إمكان حصول الوفاة بسبب التخويف ونحوه، ففي الموسوعة الفقهية: لا خلاف بين الفقهاء في إمكان حصول القتل بالتخويف، كمن شهر سيفاً في وجه الإنسان، أو دلاه من مكان شاهق فمات من روعته، وكمن صاح في وجه إنسان فجأة فمات منها، وكمن رمى على شخص حية فمات رعباً، وما إلى ذلك.
وقال ابن قدامة في المغني: ولو شهر سيفاً في وجه إنسان، أو دلاه من شاهق، فمات من روعته، أو ذهب عقله، فعليه ديته. وإن صاح بصبي أو مجنون صيحة شديدة، فخر من سطح أو نحوه فمات أو ذهب عقله، أو تغفل عاقلاً فصاح به فأصابه ذلك فعليه ديته تحملها العاقلة، فإن فعل ذلك عمداً، فهو شبه عمد، وإلا فهو خطأ. انتهى.
وإذا تقرر هذا عُلم أن الخبر الذي أخبرت به تلك المرأة ـ إذا ثبت بتقرير طبي أنه هو السبب فيما حصل لها من الإجهاض- فإنك به تكون قد وجب عليك ضمان ما ترتب على ذلك، وإن كان الإجهاض قد حصل قبل تخلق النطفة، فلا شيء عليك غير التوبة، وإن كان حصل بعد التخلق -كما إذا حصل بعد أربعين فما فوق- فعليك غرة (عبد أو وليدة)، فإن لم تجد فعليك عشر دية أم الجنين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في إسقاط الجنين بغرة (عبد أو أمة) كما في البخاري. واختلف العلماء في وجوب صيام شهرين متتابعين عليك، فمنهم من قال بالوجوب قياساً على قتل النفس، ومنهم من لم يقل بالوجوب مستدلاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر عنه ذلك في قضائه المتقدم.
وفيما يخص التساؤلات التي ذكرتها، والتي من بينها أنك لا تدري إن كان الذي اتصل بك يقول الحقيقة أم لا، وما إذا كان الإجهاض قبل أن تنفخ الروح أم بعد أن نفخت الروح... فجواب ذلك أن عليك أن تسعى بكل ما تستطيعه من الوسائل لمعرفة حقيقة الأمر، فإن لم تجد وسيلة لذلك، فإننا لا نرى إلزامك بالغرة أو الكفارة، لأن المسألة قد تكون بخلاف ما ذكر، وخصوصاً أنه لو كان الحال على هذا لما تأخر أصحاب الحق في التعريف بأنفسهم والمطالبة بحقوقهم، ونسأل الله أن يتجاوز عنا وعنك.
والله أعلم.