الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المسلمة يتعين عليها صرف قلبها عن التعلق بالأجانب ومخالطتهم، فاستمرار علاقة بين شاب وفتاة قبل عقد الزواج أمر محرم ولا يجوز التمادي فيه، بل يجب قطعه والتوبة منه. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يخلو بامرأة ليس معها محرم، فقال صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. متفق عليه. ولأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما؛ كما صح في الحديث.
وليس من شك في أن علاقة المرأة بالرجل -على النوع المعروف الآن- خارج إطار زواج مشروع تعتبر منكرا من المنكرات، وهي زنا بالمعنى العام، ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة، فزنى العينين النظر، وزنى اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.
وفي رواية لمسلم: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى أدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستمتاع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه...
فعليك بالتوبة إلى الله مما سبق ، ومغالبة النفس والهوى، والحرص على إيثار الآجل على العاجل، ولزوم التوبة والمبادرة إليها قبل أن يفوت الأوان، ونوصيك بالالتزام بالطاعة في كل حال والإكثار من أعمال الخير والإحسان إلى خلق الله، فقد وعد الله التائبين المكثرين من الأعمال الصالحة بالفلاح والرحمة فقال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31}. وقال: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام: 54}. وقال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ {آل عمران:133}. إلى أن قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135}.وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً {التحريم:8}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة. رواه مسلم.
وعليك بالاكثار من الاستغفار، فقد قال الله تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً {النساء:110} وقال تعالى: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ {هود: من الآية3} وفي الحديث: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب. رواه أبو داود،
فعليكِ أن تتوبي إلى الله توبة صادقة، وتقطعي كل علاقة بهذا الشاب الثاني وتجتهدي في الأعمال الصالحة لعل الله أن يغفر لك ويبدل سيئاتك حسنات، فقد قال الله تعالى في صفات عباد الرحمن مبينا خطر بعض المعاصي وجزاء التوبة منها: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً {الفرقان:68-69-70}.
وأيقني أن التصبر والتعفف يجازي الله تعالى عليهما بالعفة والصبر؛ كما في الحديث: ومن يتصبر يصبره الله، ومن يستعفف يعفه الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر. رواه الشيخان.
وأيقني أن التقوى والبعد عن الحرام مفتاح الفرج وتيسير الأمور؛ كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2-3} ، وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً {الطلاق: من الآية4}
واعلمي أن مطالعة وتأمل واستشعار ما في خزائن الله من أنواع العقوبات والعذاب العظيم يكبح جماح النفوس عن الشهوات المباحة، فأحرى ما كان محرماً وسبباً لتلك العقوبات، ففي الحديث: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى. رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني. فأكثري من النظر والمطالعة في الحديث عن الله تعالى وأسمائه الحسنى وصفاته العلى، فطالعي في صفات عظمته وجبروته وانتقامه واطلاعه وعلمه بكل ما يعمله الناس وبخطرات نفوسهم حتى يتولد عندك من استشعار المراقبة ما يولد فيك الحياء من الله تعالى ومهابته وخشيته بالغيب، وأكثري سؤال الله أن يعفك ويعيذك من الشر ويعصمك من الفتن، وحافظي على الأذكار المقيدة والمطلقة فإنها تحميك من الشيطان، وبرمجي لنفسك برنامجاً تشغلين به وقتك وقلبك وطاقتك عن التفكر في الرذيلة، وامنعي قلبك من التفكير بالسوء، وإذا أورده الشيطان على قلبك فاشتغلي بذكر الله وتذكري وعيده وعقوبته لمن عصاه، وتذكري قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ {لأعراف:201} وواصلي ذكر الله والاستعاذة من الشيطان حتى ينصرف الخاطر السيئ عن قلبك.
واقهري نفسك على سلوك سبيل العفة حتى ييسر الله ما يغنيك به عن التعلق بالحرام، فقد قال الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور: 33}
وعليك بالاستعانة بالدعاء في الصلاة وبعدها لقضاء حوائجك وتحقيق طموحاتك، ومن ذلك تحقيق حلم الزواج، وأن يرزقك الله زوجاً صالحاً تحيين معه حياة إيمانية قوامها التعاون على البر والتقوى، فإذا أمكنك طلب هذا الرجل الخاطب أن يتزوج بك بسرعة وأن تستقيما على الطاعة فهذا أولى؛ لما في الحديث: لم ير للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجه وصححه الألباني. ورواه البيهقي بلفظ : ما رأيت للمتحابين مثل النكاح . ومعنى الحديث: أن الرجل إذا نظر إلى المرأة وأحبها فعلاج ذلك الزواج بها ، قال المناوي في فيض القدير بعد ذكره لهذا الحديث : إذا نظر رجل لأجنبية وأخذت بمجامع قلبه فنكاحها يورثه مزيد المحبة ، كذا ذكر الطيبي. وأفصح منه قول بعض الأكابر: المراد أن أعظم الأدوية التي يعالج بها العشق النكاح ، فهو علاجه الذي لا يعدل عنه لغيره ما وجد إليه سبيلا . اهـ .
فإن لم يتمكن من البدار بالزواج فابتعدي عن ملاقاته فإن استمرار اللقاءات والاتصالات بين الشاب والفتاة قبل عقد الزواج أمر محرم لا يجوز التمادي فيه،
واعلمي أن المرأة إن أصيبت بعشق رجل أجنبي عنها فإنها قد أصيبت بداء عظيم ومرض خطير، ينبغي لمن أصيب به إن ينبذ أسبابه ويطلب علاجه، ويتداوى منه، كما يتداوى من سائر الأمراض الظاهرة والأسقام الحسية التي تعيق الصحة وتتلف البدن. ولمعرفة كيفية علاج العشق وداء الحب انظري الفتوى رقم : 09360.
وعليك أن تستتري بستر الله ولا تخبري خطيبك بذلك، كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله. رواه الحاكم والبيهقي.
والذي يبدو لنا أنك على خير ما دامت في قلبك حياة وما دمت تشعرين بخطر الإثم وعقوبته وتبحثين عن الدواء، فالقلب الميت لا يستشعر حسرة أو ألما، قال ابن القيم في كتابه القيم إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: وقد يمرض القلب ويشتد مرضه ولا يعرف به صاحبه لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته، وعلامة ذلك أنه لا تؤلمه جراحات القبائح، ولا يوجعه جهله بالحق بحسب حياته، وما لجرح بميت إيلام.
وقد يشعر بمرضه ولكن يشتد عليه تحمل مرارة الدواء والصبر عليها فهو يؤثر بقاء ألمه على مشقة الدواء، فإن دواءه في مخالفة الهوى، وذلك أصعب شيء على النفس، وليس لها أنفع منه. اهـ
والله أعلم.