الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خص ولده بعطية ليعيش معه في القرية

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فقد أشكل على البعض منا مسألة القسمة وأعددنا هذا السؤال متوجهين إلى فضيلتكم لتحلوا هذا المشكل وجزاكم الله خيرا وأثابكم مثوبة كبرى وهي في ولد رغب والده في السكنى معه في القرية فلبّى أمره وزوجه والده فبنى في قطعة من داره بأمر والده عيادة له ليمارس مهنته -وذلك بمال الولد الخاص-، وأعطى له البيت القديم، فمات الوالد رحمه الله بعد 15 سنة، فجاء أحد أبنائه ليطلب حقه، وكان الوالد قد وسع لنفسه فبنى وللباقي من الأولاد السبعة أيضا قدر وسعه -فكان الولد هو الذي باشر ذلك-، ولا يزال في البيت بعض السعة لمن أراد أن يبني، وليس بالممكن للجميع أن يفعلوا مثل الولد لضيق المكان، وأيضا هم ليسوا بحاجة إلى ذلك إذ يقطنون العاصمة، فهل هذا العطاء يصح من الوالد أعني قطعة الأرض والبيت القديم من أجل حاجة الوالد ليبقى ولده معه أم يجب التسوية، فإن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول في المجموع :30/341 : "ولا يخص بعضهم بالإعطاء من غير سبب يوجب ذلك لحديث النعمان بن بشير وغيره" ويظن الولد أنه أحسن لما لبّى أمر الوالد في السكنى معه وفي البناء وفي التزويج، وسبب هذا العطاء من الوالد بيّن واضح، فإن جميع أبنائه فضلوا أن يبقوا في العاصمة بخلاف الولد الذي لبى أمره وسكن معه في القرية ليقوم بشأنه وأبونا شيخ كبير. هذا بإختصار وعسى أن أكون قد وفقت لطرح هذه المشكلة؟ نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد وبارك الله فيكم.

الإجابــة

خلاصة الفتوى:

إذا كانت هبة الوالد المذكور تمت بشروطها وعدم موانعها فإنها صحيحة إن شاء الله تعالى لاستنادها لمسوغ شرعي، وإذا لم تستوف الشروط فهي لاغية.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الراجح من أقوال أهل العلم وجوب العدل والتسوية بين الأبناء في العطية، ولا يصح تفضيل بعضهم على بعض إلا لمبرر شرعي.

والذي فهمناه من معطيات السؤال أن هذا الوالد إنما خص ولده بالهبة المذكورة لمبرر شرعي وهو البقاء معه في القرية في الوقت الذي تركه بقية أولاده وذهبوا إلى العاصمة... وعلى ذلك تكون الهبة صحيحة إذا كانت قد تمت بشروطها ودون موانعها، فمن شروط مضي الهبة وصحتها الحيازة التامة للشيء الموهوب وفي حال أهلية الواهب للتصرف. قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: ولا تتم هبة ولا صدقة ولا حبس إلا بالحيازة.

وروى مالك في الموطأ وغيره عن عائشة رضي الله عنها: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان نحلها (وهبها) جذاذ عشرين وسقاً من ماله بالغابة فلما حضرته الوفاة قال: والله يا بنية ما من الناس أحد أحب إلى غنى بعدي منك، وإني كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقاً فلو كنت جذذتيه واحتزتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال وارث، وإنما هما أخواك وأختاك فاقتسموه على كتاب الله...

ومن شروط مضي هبة البيت المسكون وصحتها أن يخرج منه الواهب، قال ابن جزي المالكي في القوانين الفقهية: فإن وهب لابنه داراً فعليه أن يخرج منها..

وقال ابن عاصم في التحفة:

ومن يحبس دار سكناه فلا * يصح إلا أن يعاين الخلا

إن كان ما حبس للكبار * ومثل ذاك في الهبات جار

وعلى ذلك فإن كانت الهبة قد تمت في حال أهلية الوالد للتصرف وخرج من البيت بالفعل –إذا كان يسكنه- وتمت الحيازة من قبل الابن حيازة تامة بحيث يستطيع التصرف فيها تصرف المالك في ملكه فإنها تعتبر صحيحة ما دامت مستندة إلى المسوغ المذكور، أما إذا كانت لم تثبت في حياته وفي حال أهليته للتصرف أو لم تتم حيازتها في حال صحته وأهليته للتصرف فإنها لا تصح، بل ترجع إلى عموم التركة لتقسم معها على جميع الورثة. وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 65313، 65788، 75735.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني