الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجه تقديم الكفارة على الدية والعكس في قتل المعاهد

السؤال

قال تعالى :{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا(92 النساء)
فكانت عقوبة القاتل لمؤمن من قوم مؤمنين عتق رقبة ودفع دية وعقوبة القاتل لمقتول من قوم بينهم وبين المسلمين عهد دفع دية وعتق رقبة فكما هو واضح أن العقوبة نفسها فيما لو كان المقتول مؤمن من قوم مؤمنين والذي اختلف فقط الترتيب . فان كان المقتول مؤمنا كان أولا دفع دية لأهله ثم عتق رقبة ولو كان المقتول من قوم بينهم وبين المسلمين عهد كان دفع دية ثم عتق رقبة . فما الحكمة من هذا الاختلاف في الترتيب رغم أن العقوبة نفسها ؟ بارك الله بكم

الإجابــة

خلاصة الفتوى:

لاشك أن التقديم والتأخير في القرآن الكريم له حكمة.. علمها من علمها وجهلها من جهلها، ولعل تقديم العتق في الحكم الأول هو تقديم لحق الله تعالى، وتقديم الدية في الحكم الأخير للإسراع بها لئلا يظن المعاهدون أن المسلمين نقضوا عهدهم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن العطف بالواو لا يقتضي الترتيب في الأصل، وإن كان التقديم والتأخير في القرآن الكريم -وغيرهما من الأساليب- له غرض ومعنى خاص علم ذلك من علمه وجهله من جهله، وهذا من إعجاز القرآن.

وقد اختلف أهل العلم في سر التقديم والتأخير في هذه الآية الكريمة؛ فذكر بعضهم أن السر في تقديم الدية على العتق فيمن قتل من المعاهدين هو الحث على المبادرة بدفعها إلى أهل القتيل حتى لا يتوهموا خفر الذمة ونقض العهد من المسلمين.

قال الألوسي في روح المعاني : ولعل تقديم هذا الحكم .. مع تأخير نظيره فيما سلف للإشعار بالمسارعة إلى تسليم الدية تحاشياً عن توهم نقض الميثاق.

وقال الزركشي في البرهان: قدم الكفارة على الدية وعكس في قتل المعاهد .. ووجهه أن المسلم يرى تقديم حق الله على نفسه، والكافر يرى تقديم نفسه على حق الله، ثم قال: وقال ابن أبي هريرة سعيد: إنما خالف بينهما ولم يجعلهما على نسق واحد لئلا يلحق بهما ما بينهما من قتل المؤمن في دار الحرب في قوله: فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة.. فضم إليه الدية إلحاقا بأحد الطرفين فأزال هذا الاحتمال باختلاف اللفظين.

وقال بعضهم: لعل تأخير الدية عن العتق في الحكم الأول لأجل السياق.. حتى يكون الاستثناء مواليا للدية.

وقد تضمنت الآية الكرية باختصار ما يلي:

- بيان أن المؤمن الحق يمتنع ويستحيل أن يقع منه القتل العمد للمؤمن .

- بيان جزاء القتل الخطأ وهو تحرير رقبة مؤمنة ودية تسلم إلى ورثة المقتول.

- إذا كان القتيل مؤمناً وكان من قوم كافرين محاربين فالجزاء تحرير رقبة مؤمنة فقط، ولا دية ؛ إذ لا تعطى الدية لعدو يستعين بها على حرب المسلمين.

- إذا كان القتيل من قوم كفرة لهم ذمة أو بين المسلمين وبينهم ميثاق وعهد فحكمه حكم مسلم من المسلمين؛ فالواجب في حقه الدية لأهله؛ لاحترامهم بما لهم من العهد والميثاق.. وتحرير رقبة مؤمنة حق الله تعالى.

- من لم يجد الرقبة صام شهرين متتابعين.

وَكَانَ الله عَلِيماً بجميع الأشياء حَكِيماً في كل ما شرع وقضى من الأحكام.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني