السؤال
لقد ذكرتم فى فتوى أن لبس المرأة للحجاب واجب من الواجبات، دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة، والقواعد الشرعية المعتبرة، وأصول الشريعة العامة، وإنما اختلف العلماء في تغطية الوجه والكفين لورود بعض النصوص المبيحة لذلك، وهو خلاف معتبر من جهة دلالة النصوص عليه، لكن قد يعرض للأمر المباح ما يؤدي إلى حظره، وهو ما يعرف عند الفقهاء بقاعدة سد الذرائع، فكيف يكون هناك إجماع أمة وفى نفس الوقت اختلاف, فهل تقصد أنه اختلاف غير معتبر أم أن نوع سد الذرائع المذكور مختلف فيه, ويرجح للاتفاق إذا وجدت الفتنة.. أرجو التوضيح؟ جزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنشكر السائلة الكريمة على متابعة فتاوانا ونرحب باستشكالاتها وملاحظاتها... وبخصوص سؤالها فإن المقصود بإجماع الأمة إجماعها على وجوب أصل الحجاب، ومستند ذلك الإجماع هو نصوص الوحي من القرآن والسنة وعمل السلف، كما هو مبين في الفتاوى المنشورة التي أشرت إلى بعضها، وأما اختلاف العلماء فليس في أصل الحجاب وإنما هو في تحديده، هل هو شامل للوجه والكفين أم هما خارجان عن محل الوجوب، وانظري لذلك الفتوى رقم: 4470، والفتوى رقم: 8529 وما أحيل عليه فيهما.
وهذا الخلاف معتبر -كما تلاحظين- لأنه من عهد السلف ومن بعدهم من الأئمة الكبار ونصوص الوحي تحتمله، ولو شاء الله لحسمه بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة ولكن لحكمة أرادها -سبحانه وتعالى- جاءت النصوص محتملة لهذا وذاك، ولعل من الحكم في ذلك: مرونة هذا الدين العظيم وصلاحه لكل زمان ومكان وبيئة وأقوام..
ولذلك فإن بعض العلماء ربما رجحوا أحد المذهبين نظراً لحال الناس في زمانهم كما ذكرنا في الفتاوى المشار إليها، ومن هنا نقول إن الأمر المباح قد يعرض له ما يؤدي إلى منعه وهي قاعدة سد الذرائع، أو وسيلة الشيء... ولها أدلة كثيرة من نصوص الوحي ومن أوضحها قول الله تعالى: وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ {الأنعام:108}، ولها تفاصيل ذكرها أهل العلم في محلها، وبهذا نرجو أن يكون قد اتضح لك المقصود من الإجماع والخلاف المذكورين.
والله أعلم.