الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تريد ألا تتم دراستها دون علم والديها لكثرة الفتن والاختلاط

السؤال

أنا طالبة جامعية في سنة التخرج، لا يخفى عليكم وضع الاختلاط في الجامعات، أردت عدة مرات الانقطاع عن الدراسة و لكن والداي يرفضان بشدة.
أنا الآن أتممت السداسي الأول وما بقي من العام فيه اختلاط أكثر من السابق، لا يمكن تجنبه (ركوب للمواصلات في ساعات الذروة –العمل مع طلبة ذكور) و لكن كذلك ما بقي –من ناحية علمية- مرهق و صعب و يأخذ مني وقتا كبيرا وما يقلقني أني لا أستطيع التوفيق بين العمل و العبادة، عانيت من عدم التوفيق هذا من قبل وأخشي أن يكون أشد الآن.
كما تعلمون ذكر الله يطمئن القلوب وأنا في حاجة ماسة إلى ذلك خصوصا أنه هناك اضطرابات عائلية في أسرتي التي بالإضافة إلى ضغط الدراسة وقلق الاختلاط وعدم توفر الوقت للذكر أخشى أن تسبب لي انهيارا.
سؤالي هل بر الوالدين يستلزم مني أن أمضي في هذا الطريق؟
أعانني الله كثيرا في تجاوز صعوبات من هذا القبيل في ما مضى و هو على كل شئ قدير، ولكن حيث إن الظروف ازدادت صعوبة ما أخشاه أن أكون ألقي بنفسي إلى التهلكة والله قد يسر لي سبيلا آخر.
من ناحية أخرى في هذا الصيف إن شاء الله سوف أتزوج، خطيبي سافر إلى البلد المجاور للعمل لضيق سبل الرزق في بلادنا والحمد لله تيسرت كل الأمور المادية، كذلك هذا البلد من وجهة نظري دينية أفضل بكثير من بلدنا لذلك نريد الاستقرار هناك بعد الزواج إن شاء الله وهذا ميسر بحمد الله.
لكن هذا البلد من وجهة نظر أسرتي متخلف وغير متحرر لذلك اشترطوا على خطيبي أن يجد لي العمل الموافق لتخصصي (هندسة كهربائية) أنا أيضا إذا أراد أن نبقى هناك بعد الزواج.
أنا لا أريد أن أعمل في تخصصي بسبب الاختلاط، ولكن خطيبي اضطر أن يعدهم بما يريدون حتى يتركوه يذهب و حتى لا يعرقلوا زواجنا، وهو لا ينوي أن يبحث لي عن العمل، وبعد الزواج أستطيع أن أعمل شيئا آخر كي لا أكذب عليهم أو أتحجج بأي حجة.
أعود الآن إلى موضوعي، في هذا الصيف إن شاء الله سوف أتزوج، ولا يمكن أن أتزوج قبل ذلك.
ما أفكر فيه هو أن أنقطع عن الدراسة ولا أخبر أحدا سوى خطيبي بطبيعة الحال ومع بقية الناس أستعمل المعاريض أو الكذب، أعتقد أن الأمر سيكون ميسرا بإذن الله للأسباب التالية:
بإتمام هذا السداسي و بعد أن تعلن النتائج-الإيجابية ان شاء الله- أكون قد أتممت دراستي بنجاح، وما بقي هو تحضير لرسالة التخرج، وتدريب عملي لذلك، فأحسب أني لن أكون كاذبة إذا قلت إني نجحت.
عمليا بإمكاني أن لا أغير شيئا في حياتي اليومية ينبئ أني منقطعة عن الدراسة.
الأوراق الرسمية التي تثبت تخرجي التي أتحصل عليها في حال إتمامي للدراسة في أغلب الأحوال سوف أحصل عليها بعد موعد الزواج؛ لذلك الأمور ستبدو طبيعية إذا قلت إن زميلتي سوف تتسلمها عوضا عني، حيث إني لست في بلدي وقت إصدارها وسوف تأتيني بها إلى البلد المجاور بحكم أنها تقطن هناك وبالفعل فإن زميلتي ستقطن هي الأخرى في البلد المجاور بعد أن تتزوج في هذا الربيع.
في ما يخص بطاقة الهوية التي تسجل فيها المهنة فإنهم في بلدي –إذا كان الشخص يعمل في بلد آخر- يكتفون بكتابة (عامل بالخارج) يعني أنه في كل الأحوال لن تكتب مهنتي (مهندسة)؟
هل انقطاعي عن الدراسة في هذه الأحوال جائز أم أنه ينبغي أن أصبر، مع العلم أن موقف والدي لا يحتمل تغييرا أو مراعاة للوضع بأي حال من الأحوال؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله لك الثبات على طريق الهداية والصواب. واعلمي أن حفاظ المرء على دينه غاية ما بعدها غاية، فإذا ما عارضها شيء من أمور الدنيا الزائلة فينبغي أن يضرب به عرض الحائط، بل لا يلتفت إليه أصلا، وإتمام الدراسة لا شك مصلحة، فإن أمكنك أن تتمي الدراسة بطريق لا تتعرضين فيه لهذه الفتن، وذلك كأن تذاكري من البيت مثلا – إذا كان ذلك متاحا – و تستقلي في تنقلك - عند الحاجة - وسيلة مواصلات خاصة تدفع عنك شرور الاختلاط بالرجال ومزاحمتهم، فإن الأولى هو أن تتمي الدراسة، وخصوصا وأنه قد بقي لك منها شيء يسير، بالإضافة إلى ما في ذلك من إسعاد والديك وإدخال السرور عليهما، وأيضا فإنك تعولين في موقفك من عدم إتمامها على تفهم خطيبك لموقفك وموافقته على ذلك، ولكن قد يحدث – لا قدر الله – ما لا يتوقع، فلا يتم عقد الزواج بهذا الرجل، وتصبحين في موقف حرج أمام أهلك. نسأل الله أن يعافيك من هذا كله.

أما إذا تعسر ذلك وكان إتمام الدراسة سيوقعك في الفتن التي لا تقدرين على اتقائها، وسيترتب على ذلك فساد دينك، فلا شك أنه يتعين عليك ترك هذه الدراسة، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.

ويمكنك والحالة هذه كما ذكرت استعمال المعاريض في إجابة الناس ووالديك إن هم سألوك عن هذا الأمر، بل ويجوز لك الكذب أيضا إن لم تسعفك المعاريض. قال الإمام النووي: اعلم أن الكذب وإن كان أصله محرما فيجوز في بعض الأحوال بشروط قد أوضحتها في كتاب الأذكار، ومختصر ذلك أن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا، وإن كان واجبا كان الكذب واجبا ....إلى آخر كلامه.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني