السؤال
أود عرض مشكلتي وأتمنى أن تفتوني في حلّّها. توفيت والدتي وعمري 3 أيام، سبب ذلك صدمة لوالدي فأهملني ولم يعتن بي أحد عمتي أو خالتي، فأخذني عم أبي وزوجته وربياني حتى بلغت 3 سنوات اضطروا للسفر خارج البلد، ولتعلقهم بي اتفقوا مع أبي على تسجيلي في النفوس باسم عم أبي ليتمكنوا من أخذي معهم. علمت بهذا كله وعمري 11سنه فكانت صدمة لي. أنا الآن خريج جامعة وموظف ومازلت باسم أبي بالتبني. حاولت ومنذ بلغت 17 سنة أن أقنع أبي بالتبني أن أغير شهادة ميلادي لكن لم أستطع لخوفي عليه لعلمي أن هذا الموضوع يؤثر عليه جدا وعلى صحته بسبب تعلقه الشديد بي إذ إنه وزوجته اعتنوا بي وربوني وصرفوا علي أكثر حتى من أبنائهم، ولا أذكر في يوم رفض لي طلبا، وأنا متعلق به جدا، ولهذا هو يخاف جدا أن أتركه أو أخرج من حياته. في نفس الوقت فإني لم ألحظ من أبي أي عطف أو حنان أو أي اهتمام منذ ولادتي إلى الآن. محاولتي لتغيير شهادة الميلاد سببها مخافة الله فقط وليس بسبب الإرث أو غيره(علما أن أبي الحقيقي غني جدا وليس لي إلا أخت واحدة، وحتى أنا على استعداد للتنازل عن الإرث وخاصة أن أبي الحقيقي تخلى عني ولم يبد لي أي اهتمام وأنا طفل حديث الولادة وإلى الآن. إن حياتي كانت سلسلة من التعب النفسي. إذا لم أغير شهادة ميلادي فهل هذا إثم؟ وأنا لا أريد ذلك لي ولا لمن رباني، وتعب علي سنين حياتي كلها ولا أريده أن يعتقد أو حتى يتخيل أني ناكر للجميل..والله إني أتمنى من كل قلبي لو أن أبي بالتبني هو أبي الحقيقي.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن ما قام به عم والدك من إضافة نسبك له، وتبنيه لك يعد من الكذب، والكذب لا يجوز إلا في حالات خاصة، وليست هذه الحالة منها، هذا مع ما فيه من انتسابك لغير أبيك، وكل ذلك حرام، ما لم يصل الأمر إلى حد الضرورة. أما لو وصل الأمر إلى حد الضرورة بحيث إنه اضطر لذلك لأخذك معه في السفر ولو لم يفعل لحقك الضياع والتلف، فإنه لا حرج عليه حينئذ فيما فعل، بل هو مأجور عليه إن شاء الله، وله ثواب إنقاذ النفس. والله سبحانه وتعالى يقول: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا {المائدة : 32}.
وحيث أبيح هذا التبني والكذب المترتب عليه من أجل الضرورة فبمجرد زوالها - أي: الضرورة - يجب إرجاع الأمور إلى حقائقها بردك إلى أبيك الحقيقي وانتسابك إليه ، ومحوك من أوراق المتبني، ولو أدى ذلك إلى خروجك من بلد الإقامة، لأن من القواعد المسلمة أن ما جاز لعذر بطل لزواله.
وينبغي المبادرة لذلك فورا، فقد ورد في الشرع النهي عن انتساب الولد لغير أبيه، وتقرر في علم الأصول أن النهي يدل على الفور. وأيضا فإنه قد تموت هذه الطبقة الموجودة حالياً، ويبقى الأولاد والحفدة، فلا يعرفون إلا ما هو مرسوم في الأوراق، فتختلط بذلك الأنساب وتضيع. وكل أمر يؤدي إلى ضياع الأنساب فهو محرم، للإجماع على وجوب حفظها، فالحاصل أنه يجب عليك فورا تغيير أوراقك الرسمية من اسم هذا الرجل إلى أبيك، وعليك أن تعلم عم والدك أن هذا هو الحكم الشرعي، وأنك لم تفعل هذا نكرانا لجميله، ولا استخفافا بإحسانه بل فعلته امتثالا لأمر الله سبحانه وحقه، وحقوق الله وأوامره لا تقبل المجاملة والمداهنة، وننبهك على أن زوجة هذا الرجل ليست من محارمك. وبالتالي فلا يجوز لك الخلوة بها ولا رؤيتها إلا وهي في حجابها الشرعي.
والله أعلم.