السؤال
أنا أعمل في تشاركية ولي صديقة تعمل معي في نفس المجال، ولكن ألاحظ عليها بعض الأخطاء في العمل وأيضا أخطاء في حق نفسها، أي أنها تكذب بشكل رهيب حتى تكسب الشخص الذي أمامها، فهل تتوقع بأن هناك من ينكر أصله؟ فقد قالت لي بأن والدها تونسي وهم مقيمون هنا في ليبيا، وأيضا تكذب علي بأنها تسكن في مكان راق، وهي تسكن في مكان رديئ ولكن ليس لدرجة أن تنكر أصلها أو تحقر من أهلها، وعندما أكتشف ذلك تكذب علي وتقول بأنهم قد باعو تلك الفيلا وسكنوا مع خالتها في ذلك المكان الرديئ، وأيضا تتسلف مني المال بحجة أنها بحاجة إليه ولكن لا تعيده، وفي يوم خصمت من مرتبها المبلغ الذي أريده منها بدون أن تعلم ولكن بعد السداد عرفت فأصبحت تلومني لأنني أخذته منها، مع العلم بأنه قد فاتت سنة على صبري عليها، وفي نفس اليوم فوجئت بموظف معنا وهو يطلب مني أن أخصم منها مبلغا قد أخذته منه هو أيضا.
الصداقة لا تقاس بالمال ولكن سمعت عنها كلاما فاحشا- أي أخلاقها، وسمعتها، وكلامها الخاطئ- فقد اكتشفت بأ نها تريد إقامة علاقة مع موظف معنا متزوج ولديه أولاد، وفي الحقيقة هذا الموظف هو قريب لي- أي زوج خالتي- هذا غير العلاقات الأخرى، الأرقام التي تتصل بها، وهناك أشخاص يأتون إليها إلي العمل وهذا خطأ، نصحتها كثيراً ولكن دون جدوى، لا تريد التفهم أو حتى فهمي أنا كصديقة لها، وفي يوم قررت بأن أتكلم مع المدير في هذا الموضوع، وتكلمت معه وفوجئت بأنه هو أيضا لديه ملاحظات عليها، ولكن طلبت منه بأن يأذن لي في ترك العمل، وهذا لأن خطيبي قد سمع عن صديقتي، أو زميلة معي في العمل سمعتها مشبوهة تماما، وطلب مني بأن أترك العمل، ولكن المدير وباقي المسؤولين مصرون على وجودي في العمل، ولكني خيرتهم بيني وبين تلك التي أصبح بسببها المكتب على لسان كل الناس الذين في العمل والذين خارج العمل.
وسؤالي هو: هل بهذا التصرف أكون قد قطعت رزقها أم لا ؟وأنا بصراحة لا أريد أن أترك عملي بسببها، مع العلم بأن باقي الموظفات يشتكين منها ومن سمعتها، ولكن أنا الوحيدة التي قد تكلمت.
فأرجو الرد علي أرجوكم، لأنني إذا كنت بهذا التصرف قد قطعت رزقها وطبعا هذا حرام، فأنا سأترك العمل، فلا أريد أن أرتكب ذنب سيحاسبني عليه ربي .
أرجو الرد سريعا؟
وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن عليك مواصلة النصح لصديقتك هذه، وأن تسعي في إبعادها عن خطوات الشيطان قبل أن تقع فيما لا تحمد عقباه، فإن التناصح بين المسلمين والتواصي بالحق، والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمر محتم لازم، قال الله تعالى: وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {العصر}، وقال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}، وقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {التوبة:71}، وفي الحديث: الدين النصيحة.. رواه مسلم.
على أن يتم هذا كله في جو من الستر دون إفشاء سرها أو فضيحتها، خصوصاً فيما يكون منها من معاص لا يتعدى ضررها للغير، فقد ثبت في الحديث: من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة. رواه مسلم.
أما ما كان منك من كلام مع مديركم حول هذا الأمر فلا ندري ما هو الدافع لذلك؟
فإن كان الدافع لذلك هو النصح له لأجل مصلحة العمل والمؤسسة التي يقوم عليها، فهذا لا بأس به إذا تم بالحدود الشرعية، والتي من أهمها الاقتصار في النصح على ما تدعو الحاجة لكشفه دون الولوج فيما وراء ذلك من عيوب وأخطاء.
أما إذا كان الدافع مجرد التشهير والتسلي بذكر العيوب، أو كنت قد ذكرت من عيوبها وأخطائها ما لا علاقة له بأمر العمل ومصالحه فهذا لا يجوز.
وأما قيامك بأخذ المال الذي اقترضته منك من راتبها دون إذنها فهو جائز بشرط ألا تأخذي زيادة على حقك، وأن تأمني عاقبة فعلك بحيث لا تتهمين من أجله بالخيانة أو السرقة، وهذه المسألة تعرف بمسألة:الظفر بالحق، وقد سبق بيان أحكامها بالتفصيل في الفتوى رقم: 28871.
ولكن لا يجوز لك أن تستوفي من راتبها حقاً لغيرك، لأنك لست في موطن القضاء والسلطة، ولا تدري مدى ثبوت هذا الحق، فإن الحقوق لا تثبت بمجرد الدعاوى.
وأما تخييرك للقائمين على العمل بين أن تتركي العمل أو تتركه هي فلا حرج عليك من ذلك، طالما أنه يلحقك ضرر من جراء بقائها في العمل، لما تلحقه بكم من سمعة سيئة تؤثر على المكان وأهله.
مع التنبيه أنك طالما قمت بالواجب عليك من نصحها ونصح القائمين على العمل، فلا يجوز لك أن تخوضي في عرضها والحديث عنها بعد ذلك، بل اتركيها وشأنها، فإنك لم ترسلي عليها وكيلاً ولا حفيظاً، وقد قال الله سبحانه لنبيه بعدما قام بواجبه من الدعوة والإنذار: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ {الذاريات:54}.
والله أعلم.