السؤال
بوب البخاري: باب العلم قبل القول والعمل، واستدل بقوله تعالى: فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك. فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.
السؤال: من المقرر عند أهل اللغة -كما ذكره ابن هشام في المغني والشذور-: أن الواو لا تفيد إلا مطلق الجمع، فكيف نوجه الآية على ما ذكره الإمام البخاري -رحمه الله-؟ وكيف يصح استدلاله؟
وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فواو العطف تأتي لمطلق الجمع، كما بينه غير واحد من أهل اللغة في محله، وهذا لا يتنافى مع كونها تعطف اللاحق على السابق، وهو ما لا يخفى على الإمام البخاري، ولعل تفسيره الآية الكريمة راجع إلى أن الذي يبدأ به في أغلب الأحيان- هو الأهم، ثم بما هو دونه.
ولهذا نقل القرطبي عند تفسيره للآية المذكورة فقال: عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ فَضْلِ الْعِلْمِ فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ حِينَ بَدَأَ بِهِ" فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ" فَأُمِرَ بِالْعَمَلِ بَعْدَ الْعِلْمِ وَقَالَ:" اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ- إِلَى قَوْلِهِ- سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ" «1» [الحديد: 21 - 20] وقال:" وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ" «2» [الأنفال: 28]. ثم قال بعد:" فَاحْذَرُوهُمْ" «3» [التغابن: 14]. وَقَالَ تَعَالَى:" وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ" «4» [الأنفال: 41]. ثُمَّ أَمَرَ بِالْعَمَلِ بَعْدُ. اهـ.
وهذا ما يتطابق مع فهم الإمام البخاري وتفسيره للآية الكريمة، وهو ما درج عليه غير واحد من المفسرين.
قال صاحب التحرير والتنوير: ومن اللطائف القرآنية أن أمر هنا بالعلم قبل الأمر بالعمل في قوله: واستغفر لذنبك. ثم ذكر الرواية عن سفيان بن عيينة المشار إليها.
وعلى هذا، فإن أهل التفسير قد فهموا من الآية الكريمة ما فهم البخاري منها، وأن البداية تكون للأهم فالأهم.
والله أعلم.