الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كانت أم زوجك محتاجة إلى النفقة، فنفقتها واجبة عليه. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد. انتهى.
وأما الإخوة والأخوات، فمذهب الحنفية والحنابلة وجوب النفقة عليهم عند الحاجة. قال ابن قدامة الحنبلي: ظاهر المذهب أن النفقة تجب على كل وارث لموروثه إذا اجتمعت الشروط التي تقدم ذكرها.
وقال البهوتي الحنبلي: وتجب النفقة أو كمالها لكل من يرثه المنفق بفرض كولد لأم أو تعصيب كأخ وعم لغير أم. انتهى.
وقال الكاساني الحنفي: واختلف في وجوبه في القرابة المحرمة للنكاح سوى قرابة الولادة ، قال أصحابنا: تجب. وقال مالك والشافعي: لا تجب. اهـ
ولكن يشترط للذكور أن يكونوا غير قادرين على الكسب ، فإن كانوا قادرين على الكسب فلا نفقة لهم.
قال ابن قدامة: ويشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط أحدها : أن يكونوا فقراء لا مال لهم ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يستغنون به فلا نفقة لهم. اهـ
واشترط الحنفية لوجوب الإنفاق عليهم أن يكون بهم عجز وليس مجرد عدم الكسب ، قال الكاساني عند كلامه على شروط الإنفاق على الأقارب: والثاني: عجزه عن الكسب بأن كان به زمانة أو قعد أو فلج أو عمى أو جنون أو كان مقطوع اليدين أو أشلهما أو مقطوع الرجلين أو مفقوء العينين أو غير ذلك من العوارض التي تمنع الإنسان من الاكتساب حتى لو كان صحيحاً مكتسباً لا يقضى له بالنفقة على غيره. اهـ
وتراجع في وجوب نفقة الأخ الفقير وشروطه الفتوى رقم: 44020، والفتوى رقم: 64789.
ويشترط لوجوب الإنفاق أن يجد الابن ما ينفقه زائداً عما يحتاج إليه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابدأ بنفسك. رواه مسلم في صحيحه.
ولا شك أن الزوج يجب عليه الإنفاق على زوجته ولو كانت غنية ، ولا يلزم الزوجة أن تنفق على البيت من مالها الخاص ، إلا أن تتبرع بذلك ، وما تكسبه المرأة من عملها هو حق خالص لها ، إلا أن يكون الزوج قد اشترط للسماح لها بالخروج إلى العمل أن تعطيه قدراً منه ، فيلزمها الوفاء به ، وتراجع في ذلك الفتوى رقم:35014، والفتوى رقم:19680.
وعلى ذلك فإن زوجك إذا أجبرك على الإنفاق على بيته من مالك الخاص فهو آثم.
أما عن الأولى بالنفقة الواجبة؟ فالزوجة أولى من سائر أقارب الزوج. قال ابن قدامة: ومن لم يفضل عن قوته إلا نفقة شخص وله امرأة فالنفقة لها دون الأقارب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر : إذا كان أحدكم فقيرا فيبدأ بنفسه، فإن كان له فضل فعلى عياله، فإن كان له فضل فعلى قرابته.
وجاء في كتاب الفقه الإسلامي وأدلته: إذا تعدد مستحقو النفقة ولم يكن لهم إلا قريب واحد، فإن استطاع أن ينفق عليهم جميعاً وجب عليه الإنفاق، وإن لم يستطع بدأ بنفسه ثم بولده الصغير أو الأنثى أو العاجز، ثم بزوجته. وقال الحنابلة: تقدم الزوجة على الولد ، ويقدَّم الأب على الأم لفضيلته، وانفراده بالولاية، واستحقاق الأخذ من ماله. وقال ابن قدامة. الأولى التسوية بينهما. وقيل عند الشافعية: يقدم الأب، وقيل: الأم والأب سواء. انتهى.
أما فيما يزيد على النفقة الواجبة ، فلا شك أن إنفاقه على أمه وإخوته من أفضل الأعمال ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ. متفق عليه.
قال ابن حجر: فإذا ثبت هذا الفضل لمن ينفق على من ليس له بقريب ممن اتصف بالوصفين، فالمنفق على المتصف أولى. اهـ من فتح الباري.
وأما عن تصرفك في مالك الخاص بالتصدق أو الهدية للأقارب ، فذلك حق لك ، ولا يشترط إذن الزوج أو علمه على القول الراجح كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 94840.
لكن من حسن العشرة وكرم الخلق ، أن يتم الأمر بالتفاهم بينكما، وأن تعاونيه في الإنفاق على قدر استطاعتك ، وتشجعيه على الإنفاق على أهله ، بما لا يضر بحقكم ، واعلمي أن في ذلك خيراً عظيماً في الدنيا والآخرة ، فإن صلة الرحم من أسباب البركة في الرزق والعمر ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. متفق عليه.
والله أعلم .