الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قوله تعالى: (فاستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان)

السؤال

قال الله تعالى: (فاستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ...) هناك من الناس من يقول إن الإسلام ينتقص من حق المرأة بأنه قال شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل واحد، كما ذكرت الآية.
أرجو من فضيلتكم توضيح هذا الأمر.
وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:

قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات: 13}.

فامتن الله تعالى على عباده وبين لهم أنه خلقهم من ذكر وأنثى، وجعل للذكر صفات مميزة وكلفه بما يناسب خلقته، وجعل للأنثى صفات مميزة -كذلك-، وكلفها بما يناسب خلقتها، وبين الذكر والأنثى تكاليف مشتركة.

والمرأة لم تعرف حقوقها إلا في ظل الإسلام، فأكرمها الله بهذا الدين وشرفها به، فهي الأم المقدمة على الأب في البر، والأخت المقدمة على الأخ في الصلة، والبنت التي لو جاز للأب أن يفاضل بين أولاده لفضل البنات على البنين.

جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمّك: قال ثم من؟ قال أمّك، قال ثم من؟ قال أمّك، قال ثم من؟ قال أبوك. متفق عليه.

وسأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم-: من أبرّ؟ فقال: أمّك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي ذاك حق واجب، ورحم موصولة. رواه أبو داود.

وقال صلى الله عليه وسلم: سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء. رواه البيهقي في سننه.

والمرأة يعتريها ما لا يعتري الرجل من حيض ونفاس وحمل وولادة ورضاعة، والرجل يقوم على أمرها، وملزم بنفقتها ورعايتها وصيانتها، فناسب حال المرأة وضع بعض التكاليف عنها، لما يعتري جسدها من تغيرات قد كتبها الله على بنات حواء، فوضع عنها الصلاة حال الحيض والنفاس، وأمرت بالفطر أثناءه ولم تكلف بالجهاد وحمل السلاح.

وأما ما يدعيه أعداء الإسلام من أن المرأة قد انتقص من حقوقها في ظل شرعية الله؛ فما أبعد دعواهم عن الحقيقة، لأنهم يريدون من المرأة أن تنخلع من دينها لكي تكون لقمة سائغة في أفواه اللئام، كما هو مشاهد في الحضارات المادية المعاصرة.

ومما يمثلون به لهذه الدعوى أن شهادة رجل بشهادة امرأتين، وهو صحيح، لأنه حكم الله تعالى، وهو أعلم بخلقـــه ويحكم فيهم تعالى بما شاء: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الملك: 14}، وقال تعالى: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {الأعراف: 54}.

وقال تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى {البقرة: 282}. والعلة في ذلك ذكرها الله تعالى: (أن تضل إحداهما) بالنسيان (فتذكر إحداهما الأخرى)، وقد ثبت علمياً أن النسيان في النساء أكثر من الرجال.

وكون شهادة الرجل بشهادة امرأتين ليس مطلقاً، بل ذلك يكون في المعاملات المالية ونحوها، وهناك مواطن تقبل فيها شهادة النساء وحدهن ولو امرأة واحدة، كما أن هناك مواطن لا تقبل فيها شهادة المرأة. فتقبل شهادة المرأة وحدها في الرضاع، وفي البكارة، والثيوبة، وعيوب النكاح، وكل مالا يطلع عليه الرجال غالباً، ولا تقبل شهادة المرأة فيما يطلع عليه الرجال غالباً كالشهادة على الزنا والعقوبات (الحدود والقصاص) ونحو ذلك.

هذا؛ وإن شريعة الله جاءت موافقة للفطرة التي فطر الله سبحانه وتعالى عباده عليها، لتكون صالحة لكل زمان ومكان.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني