الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التمتع بالزوجة يكون في حدود ما أباحه الله

السؤال

أنا ولله الحمد تربيت في أسرة ملتزمة، فزرعت بداخلي بذرة الالتزام وأصبحت- وإن كنت أعلم أني مقصرة جدا- أصبحت أحرص على رضا الله في كل شبر وكل نفس أتنفسه، وقبل أن أقدم على أي فعل أسأل هل يرضي الله أم يغضبه؟ الحمد لله رزقت بزوج -نحن مازلنا معقودين ولم تتم الدخلة- يحبني جدا جدا، حبا لا يوصف ولكنه ليس على درجة الالتزام التي أردتها، ولكن أيضا هو إنسان هين لين، متواضع لا يتكبر على النصيحة، ولا يجادل بغير علم، ويريدني أن أساعده ليكون أقرب إلى الله وهو يقول لي دائما أنت العفة بالنسبة لي وهذا ليس بالقليل، ولكنه في ما مضى كان يتابع الأفلام والمسلسلات، ويستمع إلى الأغاني، وكان يعمل معاصي لم يخبرني بها لكنه قال لي لقد تركت معاصي كثيرة منذ عرفتك، وهو يقول لي أريد أي متعة كنت أراها في فيلم أو غيره، وأحس برغبة أن أجربها معك حتى لا أشعر أني ينقصني شيء مثال لما يتخيل: يتخيلني أنا وهو نجلس معا وهو رومانسي جدا فيقوم بخفض الأنوار وتشغيل موسيقى هادئة لتشعل الرومانسية بداخله، ومن الممكن ان نتشارك الرقص أنا وهو على أنغام الموسيقى-وهو طبعا شاهد كل هذا في الأفلام الرومانسية وتمنى أن يفعله مع زوجته- قلت له إن الموسيقى حرام، والرومانسية يمكن أن تحدث بدون موسيقى بل بإرضاء الله، ولكنه مصمم على كلامه، ويقول في هذه الحالة أنا أسمع للموسيقى ولا أستمع والاستماع هو الحرام، وأيضا هو لن يشعر بإشباع داخلي إلا إذا جرب كل ما رآه وتمنى أن يفعله بالحلال، وهو يفكر أيضا كيف سنقضي يومنا فيقول: سيكون هناك وقت فراغ كبير لذا سنملأه بمشاهدة الأفلام والبرامج الخفيفة، ولكني أخبرته أن الأفلام حرام فتراجع عنها، وهو الآن يجمع أفلام-انمي- كارتون يعني لنشاهدها خلال هذه الأيام، وأريد أن أسألكم كيف يمكن أن نقضي وقتنا؟ فأنا لم أفكر في هذا الأمر من قبل ماذا سنفعل ؟أريد منكم اقتراحا بهذا الشأن فقد قرأت مرة أنه لا يجوز مشاهدة الانمي، وأيضا إن أنا انشغلت طوال هذه الأيام بالأفلام فقط سأبتعد عن الله ويقل إيماني ولكنه يضحك علي عندما أقول سأستمع لبرنامج ديني، هو ليس شخصا سيئا ولكنه تربى بهذا الشكل والوسط حوله كله كذلك، فهو يريد أن يلتزم ولكنه يجر خلفه بعض رواسب أيام الجاهلية، هذا الجزء الأول من سؤالي هل كل ما ذكرته بالأعلى جائز ليصل هو إلى متعة معينة أباحها له الشرع ولكنه-في ظنه- لن يصل إليها إلا بوجود هذه الأشياء.أانا خائفة ولا أريد أن أغضب الله في بداية حياتي لأني أريده أن يبارك لي في زوجي وحياتي كلها.أريد أن أسأل أيضا سؤالا آخر في نفس هذه الدائرة: فزوجي جمع بعض المال ليستخدمه في الأيام الأولى من الزواج للسفر والفسح، طبعا السفر داخل مصر ولكن أين سننام؟ سننام في فندق في إحدى المحافظات المشهورة بالسياحة، وأظن أنه لا يوجد فندق مميز في مكان سياحي أو في أي مكان إلا ويقدم الخمور. فهل يجوز لي المبيت في مكان يقدم الخمور وربما لا ترتدي فيه النساء زيا محتشما؟ وإن كان هذا حراما فما هو البديل؟ فزوجي كما قلت لكم قضى وقتا طويلا من عمره حتى قبل أن يلقاني في التخطيط لهذه الأيام وتخيل كيف ستكون العلاقة بيننا، وهو الآن لا يريد أن يحرم نفسه من شيء تمناه أو تخيله أو سمع به حتى، عندما يقول هذا الكلام لا أدري بماذا أرد، إنه يقول: أنا لا أريد أن أشعر أني لم أفعل شيئا كان في نفسي حتى لا يوسوس لي الشيطان. وقال لي بالتأكيد هذا لن يكون حراما شرعا لأني أريد الوصول لإرضاء نفسي بالحلال وألا أنظر أبدا إلى الحرام.ماذا افعل أرجوكم أجيبوني إجابة شافية ومفصلة؟ وأرجو أن تردوا على كل التفاصيل وإن استطعتم أن تقدموا لي بدائل فجزاكم الله خيرا؟ كما أرجو شيئا آخر وهو كيف أساعد زوجي ليقلب معاييره فأنا أفكر في الشيء فأول سؤال أسأله لنفسي هل يرضي الله أم لا؟ إذا أرضاه أمضي قدما فيه وإلا توقفت عنه، إما هو فيفكر في الأمر ويتخيله وربما يمضي قدما فيه ولا يأخذ باله هل هذ يرضي الله أم لا؟ ملاحظة: كان زوجي لا يهتم بالصلوات في المسجد ولكنه الحمد لله حافظ عليها الآن فهو يتقدم جيدا في هذا الأمر وأمامي من الآن 9 أشهر حتى الدخول هل يمكنني خلال هذه الفترة أن أتتبع نهج معينا فتتغير مفاهيمه دون أن يشعر؟ عذرا على الإطالة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله سبحانه لك الثبات على طريق الهدى وأن يهدي زوجك إلى صراطه المستقيم.

واعلمي-أيتها السائلة-أن رغبة زوجك في التمتع معك بكل متعة رآها فيما شاهده من أفلام ومسلسلات أمر غير مستقيم شرعا، فقد علم يقينا أنها تشتمل على كثير مما لا يجوز فعله ولو كان بين المرء وزوجته، ومعلوم من شرع الله بالضرورة أن المسلم لا يحل له أن يتمتع بما حرم الله عليه, ولا شك أن الموسيقى مما حرم الله سبحانه على ما بيناه في الفتوى رقم: 54316.

وأما قوله إنه يسمع ولا يستمع، وأن المحرم هو الاستماع، فهذا من تلبيس الشيطان عليه ليوقعه في الباطل ويسلبه مع ذلك الإحساس بالذنب، ولا فرق في الواقع بين السماع والاستماع , بل ما يقوله زوجك هذا إنما ينم عن جهله بألفاظ اللغة ومعانيها، فإنه ما دام قد قصد سماع الغناء فإنه يستمع شاء أم أبى.

جاء في كتاب الفروق اللغوية: يقال: استمع. لما كان بقصد، لأنه لا يكون إلا بالاصغاء وهو الميل، و سمع يكون بقصد، وبدونه. انتهى.

وأما مشاهدة أفلام الكرتون فقد بينا حكمها بالتفصيل في الفتوى رقم: 110537. وما أحيل عليه فيها من فتاوى.

وأما رقص الرجل مع زوجته حيث لا يراهما أجنبي فلا حرج فيه ما لم يشتمل على محرم من معازف ونحو ذلك.

هذا مع التنبيه على أنه لا ينبغي لك أن تستغرقي وقتك في فعل ما يبعدك عن الله ولو كان مباحا محضا, فإن الإكثار من المباحات يسبب فساد القلب وقسوته.

جاء في فتح الباري: ونقل ابن المنير في مناقب شيخه القبارى عنه أنه كان يقول المكروه عقبة بين العبد والحرام، فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام، والمباح عقبة بينه وبين المكروه، فمن استكثر منه تطرق إلى المكروه، وهو منزع حسن ويؤيده رواية ابن حبان من طريق ذكر مسلم إسنادها ولم يسق لفظها فيها من الزيادة: اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال، من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه، ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه. والمعنى أن الحلال حيث يخشى أن يؤول فعله مطلقا إلى مكروه أو محرم ينبغي اجتنابه كالإكثار مثلا من الطيبات فإنه يحوج إلى كثرة الاكتساب الموقع في أخذ ما لا يستحق، أو يفضى إلى بطر النفس، وأقل ما فيه الاشتغال عن مواقف العبودية وهذا معلوم بالعادة مشاهد بالعيان. انتهى.

وأما قوله إنه لن يشعر بإشباع إلا إذا جرب كل ما رآه فهذا ليس عذرا له في فعل الحرام، وهو كلام غير صحيح أصلا، فإن فيما أباحه الله لعباده غنية عن مواقعة الحرام, وإطلاق العنان للنفس هكذا لتستمتع بما تشاء هو طريق الخسران في الدارين, قال سبحانه: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى* وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ* وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى. {النازعات : 37 - 41}.

أما الإقامة في الفنادق التي تشتمل على المنكرات من شرب الخمور، وتبرج النساء فهي غير جائزة، كما بيناه في الفتوى رقم: 60165.

أما بخصوص البدائل المقترحة في هذا الشأن فلا يوجد شيء بعينه، ولكن يمكنكم أن تقوموا بما تشاءون من رحلات ترفيهية ونحوها في أماكن لا تنتشر فيها الفواحش أو المنكرات، ويمنكم أن تستمتعوا خلال هذا بما أباحه الله سبحانه من طعام وشراب، وسماع ونظر، وبكل ما يباح بين الزوجين, وما زال أهل الدين والتقوى يتزوجون ويتمتعون غاية التمتع في حدود ما أباحه الله دون أن يتعدوا حدوده أو ينتهكوا حرماته.

والذي ننصحك به هو أن تنصحي لزوجك وتأخذي بيده إلى الالتزام بالشرع، وتذكريه بحقيقة هذه الدنيا وأنها دار البوار وأن الآخرة هي دار القرار، وأن من أراد المتعة الحقيقة واللذة الخالصة فليطلبها في الجنة وذلك لا يكون إلا بطاعة الله في الدنيا، ومجاهدة النفس على القيام بأوامره ونهيها عن الهوى.

ثم إنا ننصحك بأن تدلي زوجك على رفقة صالحة من أهل الخير والاستقامة ليلازمهم، ويتعاون معهم على البر والتقوى، فإن الصحبة الصالحة لها أثر عظيم في الاستقامة على أمر الله سبحانه، وليكن كل ذلك بحكمة منك ولين ورفق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني