الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يجوز تخصيص بعض الأولاد بعطية إلا لمسوغ

السؤال

رجل له ابنان، أحدهما متزوج ولديه أطفال ويعمل وكيل نيابة، والثاني طفل صغير عمره 12 سنة، ما زال بمراحل التعليم، وله أيضا أربع بنات متزوجات من أعضاء هيئات قضائية مستشارين، ويملك عمارة سكنية وأطيان زراعية، وكان يسكن في إحدى شقق هذه العمارة، وابنه المتزوج يسكن في شقق أخرى من ذات العمارة، وقد كانت العمارة صغيرة المساحة فقام ببيعها لتحقيق أغراض محددة بذاتها، وهي سداد ديون بنكية ربوية، وأداء فريضة الحج له وزوجته، وتوسعة الدار، ومواساة من يحتاج من أبنائه، وبيعت تلك العمارة بمبلغ 720 ألف جنيه، اشتري شققا له بمبلغ 320 ألف جنيه، وقام بأداء الحج وزوجته بنفقه 50 ألف جنيه، وسدد ديون 100 ألف جنيه، ثم أعطى إحدى بناته مبلغ 15 ألف جنيه لإعانتها في علاج مرضها شفاها الله، ثم أعطى ابنه الأكبر جزءا من ثمن شقة مبلغ 120 ألف جنيه للاستعانة به على شراء شقة بنظام اتحاد ملاك بسعر التكلفة، بمنطقه جديدة بدلا من الشقق المباعة، كما أن هذا الابن هو القائم على معظم شؤون البيت، وأعطى ابنه الأخير مثل أخيه 120 ألف جنيه لذات الغرض، وذلك لكونه صغير السن، ووالده رجل مسن 70 سنة ضمان حظ الصغار، ولم يعط البنات الثلاثة الباقين، وإثر ذلك احتجت إحدى البنات وزوجها، ووافقت الباقيتان على المبالغ، مع العلم أن نية الأب لم تتجه إلى التفضيل بين أبنائه في العطية أو تغيير مورايث الله، أو الإضرار بأية منهن ولكن المصلحة والحاجة .
السؤال: ما هو معيار الحاجة والمصلحة التي يجوز بمقتضاها التفضيل ومن يحددها ؟ ما ورد في حالتنا المعروضة بغير أسباب شرعية وحاجه تجيز التفضيل للبنت المريضة والولد الصغير حال كون والده رجل مسن والابن الأكبر والذي كان يقيم بذات العمارة المباعة، وبيعت شقته وأعطي مبلغا كجزء من ثمن شقة للاستعانة به على شراء شقة يقيم بها وأولاده.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد نص العلماء على أن الإنسان مطالب بالتسوية بين أولاده في الهبة بدون محاباة وتفضيل لبعضهم على بعض دون مسوغ، لما روى النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا فقال: فأرجعه. وفي رواية: فلا تشهدني إذا، فإني لا أشهد على جور. وفي ثالثة: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. ولأن في التسوية بينهم تأليف قلوبهم، والتفضيل يزرع الكراهية والنفور بينهم فكانت التسوية أولى.

ولا يكره ذلك التفضيل -في المذاهب الأربعة- إذا كانت هناك حاجة تدعو إليه، مثل اختصاص أحد أولاده بمرض أو حاجة، أو كثرة عائلته، أو اشتغاله بالعلم ونحوه من الفضائل، أو اختصاص أحدهم بما يقتضي منع الهبة عنه لفسقه، أو يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها، فيمنع عنه الهبة ويعطيها لمن يستحقها.

ويكره عند غير الحنابلة إذا لم تكن هناك حاجة تدعو إلى ذلك. وقال الحنابلة: يحرم التفضيل حينئذ وتجب عليه التسوية إن فعل إما برد ما فضل به البعض، وإما بإتمام نصيب الآخر.

وقال الحنفية والمالكية والشافعية: لا يجب عليه التسوية، ويجوز التفضيل قضاءً، لأن الوالد تصرف في خالص ملكه لا حق لأحد فيه، إلا أنه يكون آثما فيما صنع بدون داع له، لأنه ليس بعدل وهو مأمور به في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ. {النحل: 90}. اهـ من الموسوعة الفقهية.

وقال ابن قدامة في المغني: إن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة، أو عمى أو كثرة عائلة، أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه، أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها، فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك، لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان لحاجة، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة. والعطية في معناه. اهـ.

وبهذا يتبين أن ما أعطاه السائل الكريم لابنته المريضة نفقة لعلاجها لا حرج فيه، وكذلك ما أعطاه لابنيه الذكور على وجه الإعانة أو المساعدة في نفقات يحتاجونها، أو تسكينهم في بيوت دون أخذ أجرة ونحو ذلك. وأما إعطاؤهم هذا المال المذكور في السؤال ليمتلكوا بها شققا فلا مسوغ له، وقد سبق أن بينا أن حاجة الأبناء المتزوجين للبيوت ليست مسوغا شرعيا يبيح للوالد أن يملكهم إياها، وبإمكانه سد حاجتهم إذا لم يكونوا قادرين على استئجار بيوت بدفع الأجرة عنهم، وأما تمليكها لهم فهذه هبة فإذا لم يعط البنات ما يقابلها ويتحقق به العدل فالهبة باطلة، وراجع في ذلك الفتويين: 121206، 60450.

ولمزيد من الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 19673، 6242.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني