السؤال
إخواني مشكلتي باختصار: هي تأخر زواجى ولا أعلم حتى الآن ما سر تأخره، هل هذا غضب من الله؟ أم أنه لم يكتب لي الزواج فى الدنيا؟ أنا لدي 23 عاما وتمنيت الزواج كثيراً ولكننى لم أجده، مع العلم بأنني كثيرة الدعاء لله، ومنذ أن علمت بأهمية الزواج بدأت أرفع يدي بالدعاء وهذا منذ حوالي 5 سنوات متواصلة ولم أترك فرصة يستجاب فيها الدعاء ـ مثل ليلة القدر ووقفة عرفات وصلاة التهجد ـ إلا ودعوت فيها، وهل إذا دعت علي والدتي بعدم الزواج لحظة غضب يستجاب لها ولن أتزوج؟ وأريد معرفة شيء آخر وهو: أنني قرأت عن تصارع الدعاء والقدر، فهل إذا كان الله قد كتب لي زوجا معينا وأنا دعوت كثيرا بأن يرزقنى زوجا بمواصفات معينة؟ فهل فى هذه الحالة سوف يتصارع الدعاء مع القدر ويغيره مثل ما أحب؟ وهل من دعاء معين لتيسير الزواج؟ أرجوكم أفتوني لقد تعبت كثيراً والله يعلم بأنني فى أشد الحاجة للزواج لأسباب كثيرة لا يعلمها إلا الله وأعلم جيداً أن دعوة شخص لشخص آخر لا يعرفه مستجابة أرجوكم: ادعوا لي بالهداية والزوج الصالح وأن ترضى عني والدتي جدا، من قلوبكم مع تكرار الدعوة، وأرجو الرد السريع على إيميلي الخاص بي وشكراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن تأخر زواجك قدر من أقدار الله التي كتبها قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، والتي يجريها على عباده بحكمته البالغة ورحمته الواسعة، فهو ـ سبحانه ـ أرحم بنا من آبائنا وآمهاتنا، وأعلم بمصالحنا من أنفسنا، قال الله تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.
قال ابن القيم: والعبد لجهله بمصالح نفسه وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه لا يعرف التفاوت بين ما منع منه وبين ما ذخر له، بل هو مولع بحب العاجل وإن كان دنيئاً وبقلة الرغبة في الآجل وإن كان علياً. الفوائد.
وأما عن الدعاء فلا نعلم دعاء مخصوصاً في الشرع لتعجيل الزواج، لكن الدعاء عموماً من أنفع الأسباب لتحقيق كل مطلوب مشروع، وهو نافع بكل حال ولو لم يتحقق المطلوب، لحكمة يعلمها الله، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذاً نكثر، قال: الله أكثر. رواه أحمد.
وأما عن دعاء أمك عليك لحظة غضبها مع عدم قصدها، فمن فضل الله أن مثل هذا الدعاء لا يستجاب، قال تعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ {يونس:11}.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده: أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم - والحالة هذه - لطفاً ورحمة. تفسير ابن كثير.
لكن ننبهك إلى الحذر من إغضاب أمك أو التقصير في برها، فإن برالأم من أوجب الواجبات، ومن أعظم القربات، ومن أهم أسباب رضا الله، كما أن عقوقها من أعظم الذنوب ومن أهم أسباب سخط الله.
وأما معنى تصارع الدعاء والقدر: فهو أن يرد الدعاء البلاء النازل على العبد بقدر الله، والأولى لك الدعاء بالزواج من رجل صالح دون تعيين صفات محددة، فإن الله أعلم بما يسعدك في دنياك وأخراك، ففوضي الأمر إليه وأحسني الظن به، وداومي على الدعاء مع يقين وثقة بالله، دون تعجل للنتيجة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي. متفق عليه.
نسأل الله أن يهديك لأرشد أمرك ويعينك على بر أمك وأن يقر عينك بالزوج الصالح.
والله أعلم.