السؤال
هداني الله منذ فترة وقد مرت علي شهور رمضان في سنوات عديدة قصرت فيها في العبادات، نويت هذا العام أن أقيم الليل وأعتكف في العشر الأواخر ـ إن شاء الله ـ لأنني لا أضمن عمري في السنوات القادمة، والمشكلة أن مديري في العمل سيدة غير متدينة، وأعلم جيداً أنني لو طلبت منها الحصول على إجازة من العمل لأجل الاعتكاف سترفض، ففكرت في أن أكذب عليها مضطراً وأقول إن أمامي فرصة سفر للعمرة في العشر الأواخر لأن هذا الحل سيجبرها أن توافق على منحي إجازة لعلمها بقلة توافر فرص العمرة، فهل لو منحتني إجازة للعمرة، بينما أنا معتكف في المسجد أكون آثما على هذا؟ وإذا كان في هذا إثم فرجاء أشيروا علي، كيف أتصرف مع هذه المديرة وأنا أرغب في إجازة للاعتكاف؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يتم عليك نعمة الهداية والاستقامة، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأما بالنسبة للإجازة التي تريد، فإن كانت من حقك ولا يترتب عليها إضرار بجهة العمل، فلا حرج عليك في الأسلوب الذي ذكرته لتتمكن من الحصول عليها، طالما أنه لا يمكن غيره، وينبغي أن تقصد بذلك التورية لا الحقيقة، فإن في المعاريض مندوحة عن الكذب، كأن تعني بالعمرة، العمل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وراجع في ذلك الفتوى رقم: 17018.
وقد قال ابن القيم بجواز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه. راجع زاد المعاد، ونقل ذلك عنه وأقره ابن مفلح ـ في الآداب الشرعية ـ والبهوتي في كشاف القناع والسفاريني ـ في غذاء الألباب.
وقال ابن الجوزي: الكذب ليس حراماً لعينه، بل لما فيه من الضرر، والكلام وسيلة إلى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن أن يتوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إذا كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً، وواجب إذا كان المقصود واجباً إلا أنه ينبغي أن يحترز عنه ويوري بالمعاريض مهما أمكن. اهـ من كشف المشكل.
وقال النووي: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً كان الكذب مباحاً، وإن كان واجباً كان الكذب واجباً. اهـ من رياض الصالحين.
وللمزيد من الفائدة يمكن الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 52199، 38280، 50157.
والله أعلم.