السؤال
أنا أصلي كل يوم وأقرأ القرآن أيضا وأصوم وكل شيء بفضل الله وعلاقتي جيدة مع الله... في اعتكافي بالمسجد في رمضان وجدت كل إمام يأتي سواء شاب أو رجل كان ذا صوت جميل، وأنا أتمني أن لو أؤم بالناس مرة واحدة، وقلت يجب أن أدعو الله أن يتحقق ذلك، وأن أدعوه أن يصبح صوتي جميلا حتي يتقبلني الناس، مع العلم أني أبلغ من العمر16 فقلت وأنا أفكر هناك كرامات يعطيها الله للمحسنين، ثم جاءت فكرة أني أريد أن أكون من المحسنين ومن أولياء الله حتي يجعل الله لي كرامة الصوت الجميل، فكيف أن أكون من المحسنين؟ مع العلم بأني في كثير من الأحيان أدعو الله ويستجيب لي، وباختصار كيف أكون من المحسنين ومن أولياء الله الذين يعطيهم كرامات، ولا بأس فإن جمال الصوت يترتب عليه الكثير، وأنا أريد منه فقط أن أصبح إماما لا غير؟ هذا وبارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد عرفنا القرآن الكريم من هم أولياء الله، فقال تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ {يونس:26-63}، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الأصل في هذا الباب أن يعلم الرجل أن أولياء الله هم الذين نعتهم الله في كتابه حيث قال: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، وفى الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها... انتهى.
وقال السعدي في بهجة قلوب الأبرار: أولياء الله قاموا بالفرائض والنوافل، فتولاهم وأحبهم وسهل لهم كل طريق يوصلهم إلى رضاه، ووفقهم وسددهم في جميع حركاتهم، فإن سمعوا سمعوا بالله، وإن أبصروا فلله، وإن بطشوا أو مشوا ففي طاعة الله، ومع تسديده لهم في حركاتهم جعلهم مجابي الدعوة، إن سألوه أعطاهم مصالح دينهم ودنياهم، وإن استعاذوه من الشرور أعاذهم... ووصف النبي صلى الله عليه وسلم لأولياء الله بأداء الفرائض والإكثار من النوافل مطابق لوصف الله لهم بالإيمان والتقوى في قوله: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا؛ لأن الإيمان يشمل العقائد وأعمال القلوب والجوارح، والتقوى ترك جميع المحرمات. انتهى.
ولا يتأهل العبد لذلك بمثل مراقبة الله تعالى واستحضار علمه بحال عبده واطلاعه عن ظاهره وباطنه، ولذلك قال سبحانه قبل هذه الآية قوله تعالى: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ {يونس:61}، قال السعدي: يخبر تعالى عن عموم مشاهدته واطلاعه على جميع أحوال العباد في حركاتهم وسكناتهم، وفي ضمن هذا الدعوة لمراقبته على الدوام. انتهى.
وهذا هو مقام الإحسان الذي هو أعلى مقامات الدين، فقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان فقال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. متفق عليه.
والمقصود أن مراقبة الله تعالى تعين على طاعته واجتناب معصيته والاجتهاد في عبادته فرضا ونفلا، وهذا هو طريق ولايته سبحانه لعبده، وما يترتب عليها من الفوز بمحبته وكرامته وتوفيقه وتسديده وإجابته لدعائه. فليحرص السائل الكريم على إصلاح باطنه قبل ظاهره، وقلبه قبل هيئته، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. رواه مسلم. وراجع للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 65619، 4478، 25852.
ثم ليعلم السائل الكريم أن الحرص على الإمامة إذا لم يكن لغرض شرعي من مؤهَّل لها، فهي مدحضة مزلة، ويخشى على صاحبها أن يكون دافعه لذلك الرياء وحب الظهور وطلب السمعة والصدارة في الناس، وهذا داء عضال يحبط عمل صاحبه ويفسده، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر، ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له. فأعادها ثلاث مرات يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له. ثم قال: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغي به وجهه. رواه النسائي، وصححه الألباني. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني. قال الطيبي ـ كما في مرقاة المفاتيح: معناه ليس ذئبان جائعان أرسلا في جماعة من جنس الغنم بأشد إفساداً لتلك الغنم من حرص المرء على المال والجاه، فإن إفساده لدين المرء أشد من إفساد الذئبين الجائعين لجماعة من الغنم إذا أرسلا فيها، أما المال فإفساده أنه نوع من القدرة يحرك داعية الشهوات ويجر إلى التنعم في المباحات... وأما الجاه فكفى به إفساداً أن المال يبذل للجاه ولا يبذل الجاه للمال، وهو الشرك الخفي فيخوض في المراءاة والمداهنة والنفاق وسائر الأخلاق الذميمة فهو أفسد وأفسد. انتهى. وراجع للمزيد الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10992، 45693، 123818، 45965.
وأما بخصوص رغبة السائل في الصوت الجميل وتطلعه إلى أن يمنحه الله إياه من باب الكرامة، فإن هذا وإن كان داخلا فيما يقدر عليه الله تعالى، إلا أنه ينبغي أن يشتغل بغير ذلك، فإن هذا شيء قد فرغ منه وأولى بالأخ الكريم أن يشغل نفسه بالاستقامة على أمر الله تعالى، فإن أعظم الكرامة لزوم الاستقامة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية. ونقل القشيري في رسالته عن أبي علي الجوزجائي قوله: كن صاحب الاستقامة لا طالب الكرامة، فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، وربُك عز وجل يطالبك بالاستقامة. انتهى. ونقل ذلك عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى وقال الألوسي في روح المعاني: قوله سبحانه: وَمَا كَانَ لِرسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ. فيه منع طلب الكرامات. انتهى.. ومن جهة أخرى فقد ذكر ابن الجزري في فصل آداب الدعاء من كتابه عدة الحصن الحصين أن لا يدعو بأمر قد فرغ منه ولا بمستحيل. ونقل ذلك عنه السفاريني في غذاء الألباب وذكر نحوه ابن الإمام في سلاح المؤمن في الدعاء.
وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين: وجه ذلك أن الشيء إذا قد فرغ منه لم يتعلق بالدعاء فيه فائدة، وقد روى مسلم والنسائي ما يدل على ذلك من حديث أم حبيبة رضي الله عنها، لما سمعها تدعو النبي صلى الله عليه وسلم ولأبيها ولأخيها بأن يمتعها الله بهم، فقال صلى الله عليه وسلم: لن يعجل الله شيئاً قد أجله... الحديث. قوله (ولا بمستحيل) وجه ذلك أن الدعاء بالمستحيل هو من الاعتداء في الدعاء. انتهى.
ويكفي الأخ السائل من ذلك أن يسأل الله من فضله على وجه العموم، عملاً بما يشير إليه قوله تعالى: وَلاَ تَتَمَنواْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا {النساء:321}، وأخيراً ننبه السائل الكريم أنه ينبغي للعبد حين يدعو أن يلتمس أدعية القرآن والسنة ويكتفي بهما، ففيها الخير والبركة والكفاية، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما تقول السيدة عائشة رضي الله عنها-: يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
والله أعلم.