الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تذكر الموت المطلوب هو المحفز على العمل لا المثبط عنه

السؤال

أنا محتاجة لمساعدتكم يا شيخ: فأنا بنت في بداية العشرينيات، وكنت أدرس في الجامعة في قطر ـ والحمد لله ـ أنهيتت دراستي، والآن أدرس بالخارج، لكن مشكلتي ـ يا شيخ ـ أنني أغار من البنات، لأنهن تزوجن وأنا إلى الآن لم أتزوج، والمشكلة أنني كنت أغار أكثر من البنات اللاتي هن أصغر مني أو اللاتي تزوجن عن حب، وأنا منذ زمان وأنا أريد أن أتزوج وأكون مثل باقي البنات إلا أن شروط أهلي صعبة ـ بعض الشيء ـ وأنا لا أستطيع أن أقول لهم أنني أريد أن أتزوج، لأنها صعبة، فمرة شكيت حالي لواحدة ـ الله يهديها ويستر عليها ـ ودلتني على الشات ومواقع غيرها، وتعرفت على شباب، وكنت أتكلم معهم على الماسنجر، وكنت أكلمهم فقط، ومشكلتي أنني أحببت واحدا منهم وهو ـ حسب قوله أحبني الله يهديه ـ وأنا لم أكن أعرف أنه مطلق، وإنما عرفت ذلك بعد ما أحببته، وبدأنا في التلفون الكلام عن الحب والغزل وأشياء غيرها، لا أريد أن أذكرها وأنا ـ صدقا ـ أحببته من كل قلبي، وكان إذا طلب مني أي شيء أقول له حاضر، والمشكلة أنه تغير بعد ما رآني، وبدأت أكره نفسي، وجاءني اكتئاب ولم أكن أكلم أحدا، وكنت مقصرة في الصلاة كثيرا، جاءت فترة ولم يكن يتصل أو يرسل رسائل، وكنت أحاول أن أنساه إلى أن اتصل مرة وبدأ يتحدث ويتكلم، وكأن شيئا لم يحدث قلت مقبول، فكان يتصل متى احتاجني، ولم يتركني أتصل به أو أكلمه أو حتى أرسل له رسالة، ولأنني كنت مغتربة ولا أعرف أحدا، وليس عندي صديقات كنت محتاجة إليه، فمرت الأيام ورجعت في زيارة إلى قطر والتقيت مع واحدة من البنات القديمات كانت تشكو لي عن واحد أحبته، فقلت لها عن الشاب الذي أحببته فأحسست أنها غارت مني عندما قلت لها يريد أن يقابلني وأنا لاأوافق على ذلك، لأن المكان الذي اختاره غير مناسب، وبعدها سألتني هل هذا الذي تفعلينه صحيح أم لا؟ فقلت لها لا أدري، ومن يومها ـ يا شيخ ـ وأنا في حال لا يعلم بها غير رب العالمين، حدثت لي مثل الصدمة، وبعدها قطعت علاقتي مع كل الشباب الذين كنت أكلمهم ـ ومنهم هذا الشاب ـ وبدأت أصلي ـ والحمد لله ـ لكنني أصبحت أحس أنني سأموت في أي لحظة يعني حتى وأنا قاعدة أو أصلي أو أقرأ القرآن أوعند النوم. والآن أصبحت أحس أنني سأموت في يوم عرسي، والله كرهت نفسي وأحس بالذنب، وعندما يأتيني هاذا الإحساس تأتيني دوخة، ويزيد عندي النبض وتأتيني رعشة في جسمي ولا أعرف كيف أفكر؟ ولا كيف أركز في شيء؟ وكانت حالتي في البداية صعبة، وقرأ علي أحد الشيوخ والحمدلله تحسنت، والمشكله أنني في كل مناسبة تأتيني نفس الأفكار، ويأتيني وسواس بأنني لو لم أفعل ما فعلته لما جاءني هذا التفكير، وقدرسبت في الدراسة ومجموعي كان نازلا جدا، ولن يتركوني أعيد الامتحان إلا إذا كتبت كتابا، وبدل أن أخطط وأفكر لأكتب هذا الكتاب كان كل تفكيري عن الموت وأن هذه هي النهاية ـ وأنا أدري أن هذا كله أفكار ووسواس من الشيطان ـ ولكن لا أعرف كيف أخرج منها؟وعندي موضوع آخر وهو: أن أختي ـ الله يوفقها ـ أصغر مني بسنة وخطبت وأنا أغار منها كثيرا، لأنها أخذت واحدا يحبها وتحبه.
أرجوكم ـ يا شيخ ـ والله أنا محتاجة لمساعدتكم جدا، وأرجوكم أن تردوا علي بسرعة، لأنني تعبانة جدا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأبشري - أيتها السائلة - بما تجدين في قلبك من هذا الندم الذي يقض مضجعك ويقلق حياتك، فإن الندم علامة من علامات التوبة الصادقة، قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: الندم توبة. رواه أحمد وابن ماجه من حديث عبد الله بن مسعود، وصححه الألباني.

ولكن ينبغي لك أن توجهي هذا الندم في الاتجاه الصحيح بمعنى: أن يكون باعثاً لك على المداومة على التوبة والإكثار من الأعمال الصالحة المكفرة، واحذري أن يستزلك الشيطان فيخرج بك الندم إلى الحد المذموم الذي يقعدك عن العمل الصالح، ويضيع عليك مصالح الدنيا والآخرة.

وأما ذكرك للموت، فإنه من الأمور الحسنة الجميلة التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أنس ـ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمجلس وهم يضحكون فقال: أكثروا من ذكر هادم اللذات ـ أحسبه قال ـ فإنه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا في سعة إلا ضيقه عليه. رواه البزار وغيره، وحسنه الألباني.

لكن ينبغي أن يوجه هذا أيضاً في الاتجاه الصواب، فيكون محفزاً على العمل وباعثاً عليه، لا مثبطاً عنه، ولا معطلاً عن القيام بمصالح الدين والدنيا على السواء.

أما ما تعانين منه من آثار الغيرة فهذا ثمرة من ثمرات ضعف اليقين وقلة الرضا بقضاء الله سبحانه، ولو استقر في قلبك اليقين بأن الأمور كلها بيد الله، وأن أفعاله سبحانه كلها بعلم محيط وحكمة بالغة، وأن قضاءه دائماً لعبده المؤمن هو الخير ـ وإن ظهر في صورة الشر ـ وهو العطاء ـ وإن ظهر في صورة الحرمان ـ أقول: لو استقرت هذه المعاني في قلبك لما استزلك الشيطان إلى هذه الأضغان والأحقاد، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 114953، 9803، 106294 ، ففيها الحديث عن الرضا بالقضاء وأثره في الحياة الهانئة السعيدة.

وفي النهاية ننصحك بأن تقبلي على ما ينفعك في أمر دينك ودنياك، وأولى ما تشتغلين به هو التوبة والاستغفار مما كان منك من علاقتك بهذا الشاب، ثم عليك بمصاحبة أهل الخير والعلم من النساء الصالحات القانتات، فهؤلاء نعم العون لك على طاعة الله سبحانه، وننصحك أيضاً بمراسلة قسم الاستشارات في الموقع، ونذكرك بأن سفر المرأة غير جائز إلا بمحرم، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 32845.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني