الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الجلوس مع الأهل ومؤانستهم من الأمور المباحة ما دام هذا الجلوس وهذه المؤانسة على أمر مشروع، ولا ينبغي أن تشغل عما هو أهم.
وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم حنظلة حين شكا إليه نقص الإيمان عند مجالسة الأولاد والزوجات، ففي صحيح مسلم عنه أنه قال: قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إنكم لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة، ثلاث مرات.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي وهو يوضح معنى هذا الحديث: أي ساعة كذا وساعة كذا يعني لا يكون الرجل منافقا بأن يكون في وقت على الحضور وفي وقت على الفتور، ففي ساعة الحضور تؤدون حقوق ربكم وفي ساعة الفتور تقضون حظوظ أنفسكم. اهـ.
وهذا الأمر وإن كان مباحا إلا أنه بالنية الصالحة يكون عبادة، فإذا قصد المرء إدخال السرور على أهله وخاصة الوالدين كان له الأجر العظيم.
روى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم.
وإذا كان هذا في حق عامة المسلمين فكيف بالأقارب. ثم إنه ينبغي استغلال مثل هذه الجلسات في دعوتهم إلى الله تعالى وتعليمهم الخير. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجالس أهله ويؤانسهم ويعينهم في أمور الخدمة.
روى البخاري عن الأسود قال: سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله تعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة".
وقد كان صلى الله عليه وسلم أخشى الناس وأتقاهم لله، ولكنه كان متوازنا في حياته، وقد أرشد إلى هذا النهج في حديث سلمان رضي الله عنه وفيه قول سلمان لأبي الدرداء رضي الله عنهما: إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا. فأعط كل ذي حق حقه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان. رواه البخاري ومسلم.
ولا نعلم ما يفيد أن هنالك وقتا معينا يجلس فيه النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله، أو تحديدا لمدة معينة يجلسها معه والظاهر أن ذلك كان حسب الإمكان.
والغاية التي خلق الله تعالى من أجلها الجن والإنس هي عبادته سبحانه. كما قال في كتابه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. {الذاريات:56}.
وما ذكر من حسن الخلق وتعمير الأرض ونحو ذلك فهو خادم لتلك الغاية. وراجعي الفتوى رقم: 30133.
وأما أن يجعل المسلم حياته قائمة على نقد الآخرين فهذا من الأمور الخطيرة والتي قد تجر إلى ما بعدها من مخاطر، وينبغي للمسلم أن يهتم بعيوب نفسه.
روى الإمام أحمد عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ولا تطلبوا عوراتهم فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته.
وقد نسب إلى الإمام الشافعي -رحمه الله- أنه قال:
إذا رمت أن تحيا سليماً من الردى ودينك موفور وعِرْضُكَ صَيِنّ
لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن
وعيناك إن أبدت إليك معايباً فدعها وقل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى وفارق ولكن بالتي هي أحسن
والله أعلم.