السؤال
لماذا قال الله تعالى إلا بحبل من الله وحبل من الناس ولم يقل ثم حبل من الناس؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلعل السائل الكريم يظن أن قوله تعالى: إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ {آل عمران:112}.
من جنس الجمع المذموم في قول: ما شاء الله وشئت، حيث أتى يهودي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تنددون وإنكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ـ إذا أرادوا أن يحلفوا ـ أن يقولوا: ورب الكعبة، ويقولوا ما شاء الله ثم شئت.
رواه النسائي وأحمد، وصححه الألباني.
وليس الأمر كذلك، فإن المشيئة لله تعالى دون خلقه، بخلاف غيرها، ولذلك أتى في غير موضع من كتاب الله الجمع بين الله تعالى وبين رسوله صلى الله عليه وسلم بالواو لا بثم في كثير من الأفعال ـ عدا المشيئة ـ كالطاعة والمحادة والإنعام والإغناء والإيتاء والوعد والصدق، كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُون َ{الأنفال:20}.
وقوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ {المجادلة:20}.
وقوله تبارك وتعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ {الأحزاب:37}.
وقوله: وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ {التوبة:74}.
وقوله عز وجل: وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ {التوبة:59}.
وقوله تعالى: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا {الأحزاب:22}.
ونحو ذلك.
قال ابن حجر: في فتح الباري: لا يقول ما شاء الله وشئت، وهل يقول: أنا بالله ثم بك؟.
قال: حكى ابن التين عن أبي جعفر الدوادي قال: ليس في الحديث الذي ذكره نهي عن القول المذكور في الترجمة، وقد قال تعالى: وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ {التوبة:74}.
وقوله تبارك وتعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ {الأحزاب:37}.
وغير ذلك، وتعقبه بأن الذي قاله جعفر ليس بظاهر، لأن قوله: ما شاء الله وشئت، تشريك في مشيئة الله تعالى، وأما الآية، فإنما أخبر الله تعالى أنه أغناهم وأن رسوله أغناهم، وهو من الله حقيقة، لأنه الذي قدر ذلك ومن الرسول حقيقة باعتبار تعاطي الفعل، وكذا الإنعام: أنعم الله على زيد بالإسلام وأنعم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق، وهذا بخلاف المشاركة في المشيئة، فإنها منصرفة لله تعالى في الحقيقة، وإذا نسبت لغيره فبطريق المجاز. انتهى.
وقد ذكر الإمام الشافعي في ـ الأم ـ حديث الخطيب الذي قال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اسكت فبئس الخطيب أنت.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ولا تقل ومن يعصهما.
قال الشافعي: فبهذا نقول، فيجوز أن تقول ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، لأنك أفردت معصية الله وقلت: ورسوله، استنئاف كلام، وقد قال الله تبارك وتعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمرمنكم.
وهذا وإن كان ـ في سياق الكلام ـ استنئاف كلام قال: ومن أطاع الله فقد أطاع رسوله ومن عصى الله فقد عصى رسوله، ومن أطاع رسوله فقد أطاع الله ومن عصى رسوله فقد عصى الله، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد من عباده قام في خلق الله بطاعة الله وفرض الله تبارك وتعالى على عباده طاعته لما وفقه الله تعالى من رشده.
ومن قال ـ ومن يعصهما ـ كرهت ذلك القول له حتى يفرد اسم الله عز وجل ثم يذكره بعد اسم رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يذكره إلا منفردا، قال الشافعي: وقال رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمثلان؟ قل: ما شاء الله ثم شئت.
قال الشافعي: وابتداء المشيئة مخالفة للمعصية، لأن طاعة رسول الله عليه وسلم ومعصيته تبع لطاعة الله تبارك وتعالى ومعصيته، لأن الطاعة والمعصية منصوصتان بفرض الطاعة من الله عز وجل، فأمر بها رسول صلى الله عليه وسلم فجاز أن يقال فيه: من يطع الله ورسوله ومن يعص الله ورسوله، لما وصفت، والمشيئة إرادة الله تعالى.
قال الشافعي: قال الله عز وجل: وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين.
فأعلم خلقه أن المشيئة له دون خلقه وأن مشيئتهم لا تكون إلا أن يشاء الله عزوجل فيقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله ثم شئت، ويقال: من يطع الله ورسوله. انتهى.
وقال البغوي في شرح السنة: تعليقا على حديث الخطيب: فيه تعليم الأدب في المنطق، وكراهية الجمع بين اسم الله تعالى واسم غيره تحت حرفي الكناية، لأنه يتضمن نوعا من التسوية، وقد روي عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، وقولوا ما شاء الله ثم شاء فلان.
وهذا قريب من الأول، وذلك أن الواو لما كان حرف الجمع والتشريك، منع من عطف إحدى المشيئتين على الأخرى بحرف الواو فأمر بتقديم مشيئة الله تعالى وتأخير مشيئة من سواه بحرف ـ ثم ـ الذي هو للتراخي.
وروي بإسناد منقطع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد، وقولوا ما شاء الله وحده.
وروي أن عثمان قال لرجل: ما شئت، ثم قال: بل الله أملك بل الله أملك.
وكان إبراهيم لا يرى بأسا أن يقول: ما شاء الله ثم شئت، وكان يكره أن يقول: أعوذ بالله وبك، حتى يقول: ثم بك. انتهى.
وراجع لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 10578، ورقم: 021290.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني