الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل حول الطلاق وكون العصمة بيد الرجل وبيت الطاعة والخلع

السؤال

الطلاق أبغض ما أحل الله وهو عكس الارتباط والوفاق، ويكون في الكثير من المرات ضرورة كما هو الزواج ولكن هذا الحق ممنوح بشكله العام لطرفي المشروع الزوج والزوجة، ولكن هناك منح مطلق لطرف وتعقيدات جمة لطرف آخر رغم أن الطرف الممنوح له ممارسة هذا الحق كثيرا ما يستعمله سلاحا على الطرف الآخر فهو يهدد به وقد يستعمله سلاحا رادعا فيما لو تعرض للانتقاد الصحيح للكثير مما يقوم به من أعمال تشوش الاستقرار الأسري في المشرع العام للزواج، فالزوج يستطيع دون أن يكون مالكا لسبب مقنع أن يطلق زوجه وينتهي مشروع الزواج ويدفع لزوجه مالا بدل إنهاء الخدمة.
والزوج يستطيع أن يجعل الطرف الآخر من مشروع الزواج بحالة برزخيه بين الطلاق أو الزواج عند ما يرفض طلاق زوجته لأنه مالك هذا الحق إن هي طلبت حريتها بعد أن استحالت الحياة معه فيستعمل هنا خاصية( المعلقة ) معها مستغلا ما منح من حق فيه الكثير من الامتيازات.
وهناك كثير من الأدوات بيده بداية من بيت الطاعة إلى جعلها ناشز تفقد حقوقها كافة، وحتى لا تستطيع الحصول على تعويضات نهاية الخدمة وإن هي حاولت أن تكافح للحصول على حريتها فعليها بالخلع
وكلنا يعي مدى صعوبة الخلع اصطلاحا أو لغة.
هل هناك تشريع في نظام القانون الاسلامي يمنح الزوجة حق الطلاق إن هي رغبت بذلك قياسا لنفس الحق الممنوح للرجل؟ وهل مصطلح بيت الطاعة وإجبار الزوجة على الحياة مع رجل لم تعد ترغب به من الإسلام ؟ وما الحكم الشرعي بموضوع الخلع ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فكون الطلاق بيد الرجل لا يسوغ له أن يتخذه سيفا مصلتا على رقبة المرأة، فالحياة الزوجية ميثاق غليظ، وعقد متين ينبغي الحفاظ عليه، وصونه عن العبث. فقد قال الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. {الروم:21}. ولكن الشرع قد جعل الطلاق بيد الرجل دون المرأة لحكم بالغة منها: أن المرأة تغلب عليها العاطفة سواء في الغضب أو الرضا, ويكثر اندفاعها لتلبية دواعي هذه العاطفة، بخلاف الرجل الذي هو أقدر على ضبط عواطفه وانفعالاته وتحكيم عقله, وخاصة عندما تقع المشكلات بين الزوجين, ويثور الغضب بينهما, ومنها: أن الرجل هو الذي يقع عليه العبء الأكبر في الزواج فهو الذي يدفع المهر وهو الذي يطالب بتأسيس بيت الزوجية وهو الذي يطالب بالنفقة على المرأة وعلى الأولاد فحقيق أن يجعل أمر الطلاق بيده, وراجع المزيد حول هذا الشأن في الفتاوى التالية: 110639, 62468 .

على أن المرأة ليست ممنوعة من طلب الطلاق مطلقا بل هي ممنوعة من ذلك فقط عند استقامة الأمور وعدم وجود ما يدعو للطلاق، أما عند وجود ضرر يلحقها في دينها أو دنياها فيحق لها طلب الطلاق ويحكم القاضي لها بذلك وليس للزوج في هذه الحالة أن يأخذ عوضا عن الطلاق بل إما أن يمسك بمعروف أو يفارق , وراجع الفتوى رقم: 116133 ففيها بيان مفصل للحالات التي يجوز للزوجة أن تطلب فيها الطلاق.

أما إذا كرهت الزوجة زوجها ولم يكن هناك سبب مادي ملموس وإنما مجرد نفور وقع في قلبها منه فقد جعل الشرع لها من ذلك مخرجا كريما وهو الخلع, ويستحب للزوج أن يجيبها إلى ذلك, بل ذهب بعض العلماء إلى إلزام الزوج بذلك.

قال ابن مفلح في الفروع وتصحيح الفروع : يباح لسوء عشرة بين الزوجين، وتستحب الإجابة إليه، واختلف كلام شيخنا في وجوبه وألزم به بعض حكام الشام المقادسة الفضلاء. انتهى.

والقول بوجوب إجابة الزوج إليه حينئذ قول وجيه إذ ليست هناك مصلحة في أن يبقي الرجل في عصمته امرأة كارهة له, وراجع الفتوى رقم: 114951.

وقولك إن الخلع الآن صعب المنال قول مخالف للواقع مخالفة صريحة ومن له أدنى دراية بالواقع يعلم أن الزوج إذا امتنع من مخالعة امرأته فإنها ترفع أمرها للقضاء وغالبا ما يحكم القضاء لها بالخلع في مدة يسيرة.

أما مصطلح " بيت الطاعة" فلم يرد لا في نص شرعي ولا في كلام أهل العلم ولا سطروه في شيء من دواوينهم وإنما هو تشريع من تشريعات القوانين الوضعية, وقد أنكره كثير من أهل العلم المعاصرين.

يقول الشيخ عطية صقر: من الأوضاع الشاذة التى تضطر الزوجة إليها من أجل الحفاظ على حق النفقة ، وبخاصة إذا كان عن طريق التحاكم إلى القضاء- ما يسمى ببيت الطاعة. انتهى. ويقول القاضي محمد بن صالح الدحيم: بيت الطاعة قانون وضعي أصدرته بعض الدول، وخلاصته أن للقاضي الحكم على الزوجة بلزوم بيت الزوجية ((بيت الطاعة)) فإذا لم تقم بذلك فإن للقاضي تحديد العقوبة المناسبة واستخدام القوة. وعلى ما تقدم فإن هذه القوانين فيها ظلم للمرأة فقد جعل الإسلام للمرأة مخرجا..... وأما إذا كانت الزوجة ناشزا عن طاعة زوجها ولا مبرر لديها فيحكم عليها وبالانقياد والطاعة لزوجها بالمعروف، فإن لم تفعل يسقط حقها في النفقة والسكن وغيرهما، أن نظام بيت الطاعة فإنه يسقط حق الحرية للمرأة والعجيب أنه صادر من أدعياء تحرير المرأة. فتأمل كيف توصلوا إلى هذه النتيجة بالأمر الذي يدعونا إلى الاعتزاز بديننا والتحاكم إليه.

وانظر حكم تفويض الرجل الطلاق لزوجته في الفتوى: 110639, وانظر كلام أهل العلم في مسألة جعل العصمة بيد الزوجة في الفتوى رقم: 22854, وانظر أحكام الخلع في الفتاوى التالية: 122565, 73322, 114951.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني