الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العمل في السياحة الدينية وحكم الإعانة على السياحة المحرمة

السؤال

خطبت فتاة وقبل عقد النكاح بأسبوع فوجئت بفسخ الخطبة ـ وهذا قدر الله ولا راد لقضائه ـ ولكن ما آلمني ـ حقا ـ هو أن أحد أسباب الرفض كانت مني ـ على حد زعمهم ـ وهو أن مورد رزقي وعملي ومالي حرام، مع العلم أنني أعمل في مصر في مجال السياحة الدينية ـ الحج والعمرة ـ حيث إنني أقوم بالتسويق للشركة في هذا المجال وأقوم ـ أيضا ـ باِنهاء إجراءات السفر للحجاج والمعتمرين وأقوم بالشق الأخير ـ الذي هو
السفر مع الحجاج والإشراف علي رحلاتهم ـ وأنا والحمد لله لا أزكي نفسي على الله: أخ ملتح أحافظ على خمس صلوات في المسجد ـ والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ـ المهم قام مدير إحدى النقابات في مدينتي بالاتصال بصاحب الشركة والاتفاق معه علي تنظيم رحلة إلى مدينة شرم الشيخ المصرية ـ ومن المعلوم مقدار الفتن والابتلاءات المنتشرة في هذه المدينة ـ تشمل التنقالات والمبيت في فندق ووجبتي الإفطار والعشاء بدون أي تدخل مني، ثم بعدما اتفقوا طلب مني صاحب الشركة الذهاب بورقة متضمنة لبرنامج الرحلة وتسليمها لمدير النقابة فقط، مع العلم أنها مذيلة بتوقيعي، لأنني مدير فرع الشركة في هذه المدينة وقال لي صاحب الشركة إنها رحلة للعائلات وليست للشباب الفاسد الذي قد يستغل الرحلة لأغراض أخرى، وفي النهاية هذه الرحلة لم يكتب لها الله أن يكون لها وجود فهي لم تتم، فهل بهذه الصورة مالي يكون حراما؟ وإذا تكرر هذا الموقف ما المفترض مني أن افعله؟.
والشق الآخر: أفتوا بأن مالي حرام، وآخرون أفتوا بذلك ـ سامحهم الله ـ وأشهد الله أنني عفوت عن من ظلمني, ولم يقوموا بسؤالي عن ظروف عملي ولا الاستقصاء عن ملابسات ما حدث، فما هو رأي الدين في أمثال هؤلاء ممن يتجرأون على الفتوى على الله بدون علم؟ مع العلم أنني على استعداد تام لترك عملي إذا كان حراما، ولكن أحدا لم يأتني بنية المشورة والنصح، بل كان هدفهم الرئيسي هو التجريح فقط.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن فسخ الخطبة مشروع، ولكنه يكره إن كان لغير عذر شرعي، كما سبق أن بينا بالفتوى رقم: 18857

والواجب إحسان الظن بالمسلم وحمل أمره على أحسن المحامل حتى يتبين خلاف ذلك، فإذا كان أهل خطيبتك اتهموك بحرمة الكسب من غير أن يتبينوا في ذلك، فإنهم قد أخطأوا وأساءوا، وما كان ينبغي لهم أن يعجلوا إلى فسخ الخطبة قبل التبين، أما وقد حدث ما حدث فقد يكون الله تعالى أراد بك خيرا فصرفك عن الزواج منها، وعليك بالبحث عن غيرها، فالنساء غيرها كثير، وإن كانت صالحة وأمكنك إقناع أهلها بتزويجك منها فافعل.

وأما ذهاب السياح إلى مثل هذه المناطق المليئة بالمنكرات فلا يجوز أصلا، إذ لا يجوز للمسلم الذهاب إلى مكان المنكر إلا بقصد الإنكار فتوقيعك لهذه الورقة المتعلقة بالرحلة وتسليمها لمدير النقابة فيه إعانة على المنكر من وجه، وهذا أمر محرم تجب عليك التوبة منه ويجب عليك الرفض إن طلب منك ذلك مستقبلا، وإذا كان عملك في هذه الشركة لا يخلو من الإعانة على المنكر فيجب عليك تركه ولعل الله تعالى يبدلك خيرا منه، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق: 2-3}.

وثبت في مسند أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنك لن تدع شيئا اتقاء الله تبارك وتعالى إلا آتاك الله خيرا منه.

ولا يجوز للمفتي أن يفتي إلا إذا تحقق أمران: معرفته بحقيقة ما يريد أن يفتي فيه، وإحاطته بالحكم الشرعي المناسب للواقعة، وقد قرر هذا ابن القيم في إعلام الموقعين ونقلنا كلامه في ذلك بالفتوى رقم: 14485.

وإذا رأى المسلم أخاه في منكر فعليه أن ينكر عليه بالحكمة والموعظة الحسنة بقصد الشفقة عليه لا بقصد التجريح والتشفي، قال قتادة: لا تلقى المؤمن إلا ناصحاً لا تلقاه غاشاً.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني