السؤال
لدي سؤالان، ولكن بما أنهما يدوران في فلك واحد فقد جمعتهما في نص واحد، الاستفسار الأول: بخصوص حديث النفس، فمرات أجدني أحدث نفسي بأمور بالغة الخطورة كالتشكيك في الإسلام والإيمان وغيرها ـ والعياذ بالله ـ ولكنها لحظات قليلة وتزول، وأذكر نفسي وأستغفر، فهل أنا مؤاخذ على هذا الأمر؟.
أما الأمر الثاني: فهو متعلق بالنفس أيضا ـ الحمد لله ـ أحافظ على الأذكار اليومية في الصباح والمساء، ومن المعلوم أن الأذكار تبقي الشيطان بعيدا عن المسلم، وما أفهمه هنا أنه طوال ملازمتي الأذكار أن الشيطان بعيد عني، ولكن مع هذا تحدث وسوسة في النفس وتحدث ـ سرا طبعاـ بالخوض في أمور منكرات، فما الفرق بين وسوسة النفس ووسوسة الشيطان؟ وإذا كانت وسوسة الشيطان كفيل بها ما أكرمنا الله به من أذكار، فما الوسيلة لصد النفس وكفها؟ فمرات أحس وكأن هناك شخصان في بدني، وتحدثني نفسي بالمعصية ثم تحدثني بعدم الاستماع لها، وهذا أمر صعب جدا والله.
بارككم الرحمن وحفظكم لخير أمة أخرجت للناس.
ملاحظة: أنا تبت حديثا، وقد كنت من قبل منصرفا في اللهو وملذات الدنيا ولكن أنعم الله علي بالالتزام.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهنيئا لك بإنعام الله سبحانه عليك بالتوبة والإقبال عليه والالتزام بدينه، ونسأل الله أن يثبتا وإياك على الحق ويزيدنا جميعا هدى وتقى.
واعلم أن ما تسأل عنه قد سأل عنه الصحابة ـ أيضا ـ من قبل، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان.
فما تتعرض له من الوساوس أمر مألوف وقوعه للتائبين حديثا ولغيرهم، فإن الشيطان يكره للإنسان أن يعود إلى ربه، فيحاول أن يصرفه عن صراط الله بكل ما يستطيعه، فهو بمنزلة قاطع الطريق على السائرين إلى الله، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 127463.
ثم اعلم أنك غير مؤاخذ بحديث النفس طالما لم تعقد قلبك عليه وتعمل بموجبه، لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم. متفق عليه.
واعلم أن النفس توسوس كما أن الشيطان يوسوس، وقد سبق الكلام على الفرق بين وسوسة الشيطان ووسوسة النفس ووسائل دفعهما في الفتويين رقم: 119024، ورقم: 114571، وما أحيل عليه فيهما من فتاوى.
وأما ما تذكر من تنازع خواطر الشر والخير في قلبك فهذا يحصل في قلب المؤمن، والنجاة في الانحياز إلى خاطر الخير، ففي سنن الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان: فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك: فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {البقرة: 268}. صححه الألباني في هداية الرواة والنصيحة، وصحيح موارد الظمآن. المراد باللمة: ما يقع في القلب من وسوسة أو إلهام.
قال الطيبي: واعظ الله هو لمة الملك في قلب المؤمن.
فيض القدير.
والله أعلم.