السؤال
لدي شك في نسب أحد أبنائي، علما حسب الشرع الابن للفراش، علما بأني مطلق زوجتي وصارحتها بشكي هذا، وطلبت منها عمل تحليل للدم ( الحمض النووي ) وقد رفضت ذلك مما زاد شكي، وقد وضحت لها فيما إذا كان ليس ابني، فسوف أعلنه ابني حسب الشرع، وقصدي من عمل التحليل لمعرفة نسب الابن كي أنزع الشك من نفسي، علما بأني أتجنب رؤية الطفل، وله شقيقة بنت، وهي التي أشاهدها وأحضرها عندي في إجازاتي مما يؤرقني كثيرا. فهل يجوز عمل تحليل للدم إذا وافقت مطلقتي على ذلك؛ علما بأن هذا الموضوع سيتم بالسر بيني وبينها أو أحد محارمها كما وضحت لها.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الشك الذي يدور في ذهنك تجاه زوجتك هو من عمل الشيطان وكيده للإفساد بينك وبين ابنك، والواجب عليك أن تنبذه وراء ظهرك، وأن تطرحه من فكرك وعقلك ؛لأن الشريعة الغراء تغلب جانب السلامة والبراءة من الفواحش، ولهذا صانت عرض المؤمن والمؤمنة، وحرمت القذف، وجعلته فسوقاً ورتبت عليه الحد إذا كان بغير بينة، كما أنها تغلب جانب الاحتياط في باب لحوق النسب، بحيث إنه لو وجد احتمال ولو ضعيفاً لإلحاق الولد بالزوج ألحقته به ونسبته إليه. حتى ولو أقرت المتزوجة على نفسها بإنجاب أولاد من الزنى، فإن ذلك وحده لا ينفي نسبتهم من أبيهم صاحب الفراش، ما لم ينفهم هو بلعان، لقوله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر.، رواه الجماعة إلا أبا داود، ولذا فالواجب عليك أن تحسن الظن بزوجتك، وأن تصرف عنك وساوس الشيطان ونزغاته، وأن تتقي الله سبحانه في ولدك هذا، فلا تباعده منك، ولا تضيع حقوقه عليك بمجرد شكوك لا حظ لها من الحق والواقع.
لكن إن تحققت أن هذا الولد ليس منك، إما لكونها حملت به في فترة لم تكن أنت موجودا فيها مثلا، أو كنت موجودا ولكن لم تقربها فإن لك نفيه.
جاء في الإقناع للشربيني في فقه الشافعية: فإن كان هناك ولد ينفيه بأن علم أنه ليس منه لزمه نفيه لأن ترك النفي يتضمن استلحاقه، واستلحاق من ليس منه حرام كما يحرم نفي من هو منه، وإنما يعلم إذا لم يطأها أو وطئها ولكن ولدته لدون ستة أشهر من وطئه التي هي أقل مدة الحمل، أو لفوق أربع سنين من الوطء التي هي أكثر مدة الحمل. فلو علم زناها واحتمل كون الولد منه ومن الزنا، وإن لم يستبرئها بعد وطئه حرم النفي رعاية للفراش، وكذا القذف واللعان على الصحيح؛ لأن اللعان حجة ضرورية إنما يصار إليها لدفع النسب أو قطع النكاح حيث لا ولد على الفراش الملطخ، وقد حصل الولد هنا فلم يبق له فائدة والفراق يمكن بالطلاق. انتهى.
واعلم أن من شروط نفي نسب الولد ألا يتأخر الرجل في ذلك على الراجح من أقوال أهل العلم. قال البهوتي في كشف القناع: ومن شرطه أي نفي الولد أن لا يوجد منه إقرار ولا دليل على الإقرار، فإن أقرَّ به أو أخر نفيه مع إمكانه لحقه نسبه وامتنع نفيه. انتهى.
بل قد ذكر بعض الفقهاء أن نفي الولد ينبغي أن يكون بمجرد الحمل وأنه لو أخره إلى الولادة بغير عذر فإنه يلحقه نسبه، ولا يجوز له نفيه. قال القرافي في كتابه الفروق: قال الأمير من رأى حمل زوجته فأخر اللعان بلا عذر، فليس له نفيه ولا يعذر بجهل، وليس من العذر تأخيره خيفة أن يكون انتفاخاً فينفش. انتهى.
ومنهم من رأى جواز التأخر اليسير جاء في الموسوعة الفقهية ملخصا مذاهب الفقهاء في شرط التعجيل والفور في نفي الولد باللعان: إذا أتت امرأة بولد لزم زوجها نسبه بالفراش، فإذا أراد نفيه باللعان بعد ذلك فقد اشترط المالكية والشافعية في الجديد على الأظهر والحنابلة لصحة النفي أن يكون فور العلم بالولادة مع إمكانه، فلو أخره زمنا لغير عذر لم ينتف عنه بحال بعد ذلك. وذهب الحنفية والشافعية في أحد القولين في القديم إلى جواز تأخير النفي مدة قدرها أبوحنيفة بمدة التهنئة، وهي ثلاثة أيام، وهو قول الشافعية في القديم، وفي قول لأبي حنيفة أنها سبعة أيام، وقدرها الصاحبان بمدة النفاس. انتهى.
وقد اختلف العلماء فيما إذا طلبت المرأة المقذوفة الاحتكام إلى البصمة الوراثية، هل تجاب إلى طلبها أو لا ؟ وقد سبق بيان خلافهم هذا وأدلته في الفتوى رقم: 112797.
وفي النهاية نحذرك أيها السائل من الوعيد الشديد الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين. رواه أبو داود والدارمي في سننه وصححه ابن حبان. جاء في عون المعبود عند شرح هذا الحديث: جحد ولده: أي أنكره ونفاه، وهو ينظر إليه أي الرجل ينظر إلى الولد، وهو كناية عن العلم به بأنه ولده أو الولد ينظر إلى الرجل، ففيه إشعار إلى قلة شفقته ورحمته وقساوة قلبه وغلظته، احتجب الله عنه أي حجبه وأبعده من رحمته، وفضحه أي أخزاه على رؤوس الأولين والآخرين. انتهى.
والله أعلم.