السؤال
ما حكم من اتفق على شراء سلعة من تاجر بالتقسيط، واتفق على المدة والثمن، ثم بعد فترة قال المشتري للبائع: إنه يريد أن يحول البيع من تقسيط إلى بيع حال. فهل الواجب أنه ينقض العقد الأول بحيث ترد السلعة للبائع، ثم ينشئ عقدا من جديد؟ أم أنه يجوز على الاتفاق الأول ولا ينشئ عقدا من جديد؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا اتفق البائع والمشتري على فسخ العقد الأول برضاهما فلا حرج عليهما في ذلك، ثم لهما أن يعقدا عقدا جديدا على نفس السلعة بثمن حال غير مقسط، وفي هذا مخرج شرعي من مسألة ضع وتعجل، حيث إنه لا يجوز للبائع أو المشتري أن يتفقا ولو عرفا على الخصم من الدين و إسقاط جزء منه عند سداده في مقابل تعجيله، فهذا لا يجوز عند جماهير العلماء منهم الأئمة الأربعة، وهو ربا.
قال أصحاب الموسوعة الفقهية الكويتية: يرى جمهور الفقهاء أنه إذا كان لرجل على آخر دين مؤجل فقال المدين لغريمه: ضع عني بعضه وأعجل لك بقيته، فإن ذلك لا يجوز عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وكرهه زيد بن ثابت وابن عمر والمقداد وسعيد بن المسيب وسالم والحسن وحماد والحكم والثوري وهيثم وابن علية وإسحاق، فقد روى أن رجلاً سأل ابن عمر فنهاه عن ذلك، ثم سأله فقال: إن هذا يريد أن أطعمه الربا. وروي عن زيد بن ثابت أيضاً النهي عن ذلك، وروي أن المقداد قال لرجلين فعلا ذلك: كلاكما قد أذن بحرب من الله ورسوله. اهـ.
وأما إن جاء المدين لتسديد الدين كاملاً فقال له الدائن: قد أسقطت منه كذا فهات الباقي، فهذا لا بأس به ما لم يكن عن تواطؤ مسبق أو يجري به عرف؛ لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا.
والمخرج الشرعي هو ما ذكرت في السؤال من تراجعهما عن العقد الأول برضاهما وإقالة البائع للمشتري ثم يعقدان عقدا جديدا بثمن حال يتفقان عليه ويشترط لجواز هذا المخرج أن لا يحصل اتفاق أو مواطأة على البيع الجديد؛ لأنه لا فرق حينئذ بين ضع وتعجل وهذه الإقالة المشترطة.
وفي البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر برني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من أين هذا؟ قال بلال: كان عندنا تمر رديء فبعت منه صاعين بصاع لنطعم النبي صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: أوه أوه، عين الربا، عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتره.
فأرشده إلى مخرج شرعي من الربا، وهو أن يبيع تمره ثم يشتري بثمنه ما يريد من أنوع التمور، ولو كانت النتيجة واحدة، لكن للشارع في ذلك مقاصد قد تخفى على البعض إلا أن ذلك لا يعني خلوها عن حكم وفوائد جليلة، كما قال العلوي الشنقيطي في مراقيه:
لم يلف في المعللات علة * خالية من حكم في الجملة
وربما يعوزنا اطلاع * لكنه ليس له امتناع.
والله أعلم.