السؤال
هل يصح العقد على فتاة دون علم ولي أمرها وموافقته وهي فى العشرين من عمرها، وتم العقد في محكمة مع شهود، علما بأن هذه المحكمة لا تحكم بما شرعه الله، خاصة مسألة الزواج، وخاصة بعد العقد تبين أن هذه الفتاة مسحورة سحراً لتشويه سمعتها من شخص ليس هو الخاطب، وبعد رقيتها وصحوتها أصرت هي على رفض هذه الخطوبة، وأصرت على والدها أن يقتلها لأنها لا تريد أن تنتحر حتى لا تخسر آخرتها، علما بأنه لم يمسها هذا الخاطب ولم تمسه لا قبل الخطوبة ولا بعدها، بل ولم تره في حياتها إلا عن طريق الوصف عن طريق أخته لها، وهي المشهود لها بالأخلاق الحسنة وحب الناس لها، وحبها للجميع، ولكن الحسد أدى بمن سولت له نفسه ليسحرها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله على فضله ومنه، فقد سترها ولم يعلم أحد على الإطلاق بما جرى من عقد. وحسبنا الله ونعم الوكيل؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن عقد النكاح بدون ولي يقع باطلاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل. كما في المستدرك وصحيح ابن حبان، وفي صحيح ابن حبان أيضاً عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل. وخالف في ذلك الأحناف فقالوا بصحة تزويج المرأة البالغة الرشيدة نفسها، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 32593.. ورأيهم في ذلك ضعيف مرجوح.
فإن كانت هذه الفتاة قد عقدت هذا العقد وهي في غير وعيها من جراء السحر، فإن العقد يكون باطلاً باتفاق؛ لأن المسحور الذي وصل إلى هذا الحد غير مكلف أصلاً، ولا يختلف هذا الحكم حتى وإن كان القاضي هو الذي عقد هذا العقد، لأن العقد إنما يملكه الولي ولا يُرجع إلى القاضي الشرعي إلا بعد ثبوت عضل الولي، فإذا انضم إلى ذلك كون القاضي لا يحكم بحكم الله أصلاً فهنا ينبغي ألا يختلف في بطلان النكاح.
وفي النهاية نذكر هذه الفتاة بسعة عفو الله ورحمته وفضله، ونذكرها بأن اليأس من رحمة الله من كبائر الذنوب وهو من فعل الكافرين الذين لا يرجون بعثاً ولا نشوراً، قال سبحانه: وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87}، وقال سبحانه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {العنكبوت:23}، ولا يجوز للإنسان أن يتمنى الموت لضر نزل به أو بلاء أصابه، لأن هذا مما يدل على الجزع والتسخط على قضاء الله وقدره، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي. وأولى أنه لا يجوز أن يطلب من أحد أن يقتله، ولا يجوز لأحد أن يوافقه على ذلك، وأعظم من ذلك وأقبح الإقدام على الانتحار وقتل النفس فإنه من أعظم الكبائر وأشنعها، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 10397.
ولتعلم هذه الفتاة أن ما أصابها إنما هو من قضاء الله سبحانه، وقضاؤه سبحانه خير لعبده المؤمن، فلتلزم الرضا بقضاء ربها يملأ قلبها رضا وسروراً، يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: أن من ملأ قلبه من الرضى بالقدر ملأ الله صدره غنى وأمنا وقناعة وفرغ قلبه لمحبته والإنابة إليه والتوكل عليه ومن فاته حظه من الرضى امتلأ قلبه بضد ذلك واشتغل عما فيه سعادته وفلاحه فالرضى يفرغ القلب لله والسخط يفرغ القلب من الله. انتهى.
ثم عليها أن تلتزم أمر الله سبحانه من الحجاب الشرعي الساتر لجميع البدن، والبعد عن مخالطة الرجال الأجانب ومعاملتهم؛ فإن هذا ذريعة كبيرة للشر والفساد، ويراجع حكم الإقامة في بلاد الكفار في الفتوى رقم: 2007.
والله أعلم.