السؤال
في البداية أشكركم على هذا الموقع المتميز، وأطلب منكم أن تعرضوا أسئلتي على الشيخ، كما أطلب منكم أن تسامحني على الإطالة، وأن تجيبوا عن أسئلتي كاملة، فإنني أعاني من الوسواس معاناة شديدة، أنا صاحب الفتوى رقم: 130855 المبتلى بالوسوسة، وأسأل إذا كانت النجاسة يسيرة كالقطرة وانتشرت في مساحة واسعة نسبيا بسبب الحك مثلا، وكان الجسم مبللا هل يعفى عنها؟
وما المقصود بالنجاسة الحكمية : إذا أصاب مثلا مذي فراشا، أو دم نجس مفتاحا، أو فراشا ولم يظهر أي أثر للنجاسة، هل تعد هذه النجاسة حكمية أم عينية؟
عندي حذاء أصابه دم نجس في خارجه منذ مدة طويلة، وبقي لونه إلى الآن رغم أنني أمشي عليه في المطر. هل ينجس الحذاء كل جسم يلاقيه؟
قبل أكثر من أسبوع اكتشفت أنني رغم أنني أستبرئ فإنه أحيانا (نصف الحالات أو أكثر) يخرج مني قطرة من البول بعد حوالي عشر دقائق وأنا متأكد من ذلك. المشكلة أني أتوضأ أحيانا مباشرة بعد التبول. فهل علي إعادة هذه الصلوات، علما أنني لا أعلم بالضبط متى ينزل البول ومتى لا ينزل ؟
في الوضوء والغسل خاصة، قرأت أن المقصود بتخليل الشعر تحريكه ( عند المالكية) هل هذا هو المقصود في جميع المذاهب؟ وما المقصود بتخليل الأصابع أي هل يكفي وصول الماء بينها دون استعمال اليد أو تحريكها كأن أضع يدي تحت الصنبور أو أغمسها في الماء؟ وهل يجب في الدلك أن يغلب على الظن أنني قد أمررت عليه يدي أو أي عضو آخر على كل نقطة من الجسم؟ وهل يكفي حك الظهر بالحائط إذا كان فيه شعر؟ وهل لي أن أغتسل وفق المذهب المالكي، وآخذ في مسألتي الدلك وتخليل الشعر والأصابع بالمذاهب الأخرى حيث إنني أبقى في الغسل من ٣٠ إلى ٤٠ د ق ؟
عند غسل الملابس في البيت ، إما أن تغسل بالغسالة الأوتوماتكية أو يقومون بوضع جميع الملابس (طاهرة ونجسة) في سطل بالماء والصابون فتفرك وتوضع بعد ذلك في وعاء بالماء الذي يكون لونه متغيرا قليلا بالصابون ( حتى قبل وضع الملابس في الوعاء ) وعلما بأن الماء في الحالتين هو دون القلتين. ثم تعلق على الحبل لتجفيفها. إذا كانت هذه الطريقة صحيحة عند شيخ الإسلام ابن تيمية فهل يجوز أن أعمل بهذه الفتوى مؤقتا نظرا إلى أنني لست من أغسل الملابس كما أنني أتعبت أفراد أسرتي بكثرة وساوسي؟
أحيانا بعد غسل الملابس (إما بالغسالة الأوتوماتكية أو بالطريقة التي ذكرتها لفضيلتكم) يبقى أثر للمني (أظنه مجرد لون وأنّ العين قد زال) علما بأنه عند نزول المني ينزل قبله المذي فيلوث الذكر والملابس؟ هل تبقى هذه الملابس نجسة ؟ وهل تلوث ما تلامسه من ملابس أثناء الغسل (إما بالغسالة الأوتوماتكية أو بالطريقة التي ذكرتها لفضيلتكم) أي ستتنجس كل الملابس عندنا في البيت؟ إذا استيقظت في الصباح ووجدت أثرا للمني وغلب على ظني أن سبب هذا الأثر هو خروج مني قديم قد اغتسلت منه سابقا وأن ما وجدته في ثوبي هو مجرد لون قد بقي حتى بعد غسل الملابس.هل يجب علي الغسل في هذه الحالة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد نصحناك في الفتوى السالفة بأن تعرض عن الوساوس جملة وألا تلتفت إلى شيء منها حتى يعافيك الله من هذا الداء غير أن استجابتك لما نصحناك به لم تكن كافية، ولذا فنحن نكرر ما نصحناك به من الإعراض عن الوسوسة وعدم الالتفات إلى شيء منها، فإنه لن يزول عنك هذا العناء ولن تتخلص من هذا الكدر إلا بذلك، فاتق الله تعالى في نفسك، فإن ما يتوهمه الموسوس من الاحتياط لدينه ليس قربة يتقرب بها إلى الله تعالى، بل هو طاعة للشيطان ومتابعة له، وأما النجاسة الحكمية والفرق بينها وبين النجاسة العينية لقد أوضحناه في الفتوى رقم: 133723، وفيها بينا أنه لا حرج على الموسوس في الأخذ بقول بعض المالكية بعدم انتقال النجاسة بحال مادامت عينها قد زالت ولم يبق إلا حكمها ولو كانت بولا أو غيره.
وبينا لك في الفتوى التي ذكرت رقمها أنه لا حرج على الموسوس في العمل بقول شيخ الإسلام ومن تبعه في العفو عن يسير النجاسة، وإن انتشرت بالحك إلى أكثر من الموضع الذي أصابته فإنها لا تعدو كونها نجاسة يسيرة، فيعفى عنها، وبخاصة في حق من كان مبتلى بالوسوسة.
واعلم أن الله تعالى قد رفع الحرج عن الموسوس فإنه تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وانظر الفتوى رقم: 134455،
وأما يسير الدم فقد نص عامة الفقهاء على أنه يعفى عنه في البدن والثوب فلا تبطل صلاة المصلي إذا صلى وعلى ثوبه أو في بدنه شيء يسير من الدم، فأولى ألا يضر ذلك في خارج الصلاة، ومن ثم فلا يضر بقاء الدم اليسير في حذائك، هذا إذا بقي الأثر، ونحن نستبعد بقاءه وأنت تمشي به في الماء كما زعمت فهي الوسوسة إذا، وإذا كنت متيقنا بأن البول يخرج منك بعد التبول بمدة عشر دقائق مثلا ولم يكن ذلك مجرد وسوسة، فعليك أن تنتظر حتى تمر هذه المدة ثم تتوضأ كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 118676، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 112530.
وأما ما مضى من الصلوات فالأصل صحتها فما لم تتيقن أنك قد أحدثت بعد ما توضأت فإن الأصل بقاء الطهارة ولا يتلفت إلى هذا الشك العارض ومن ثم فلا يلزمك إعادة شيء من الصلوات، وإذا شككت هل خرج منك بول أم لا؟ فلا تلتفت لهذا الشك بل ولو وجدت بللا على ثيابك أو بدنك وأنت لا تدري أهو بول أم ماء فلا تلتفت أيضا وينبغي أن تأخذ بالنصيحة النبوية، وهي أن ترش الماء على ثيابك بعد التبول ليكون ذلك قاطعا للوسوسة.
ثم اعلم أن الواجب في غسل الجنابة هو إيصال الماء إلى جميع البدن على أي وجه كان ذلك وتخليل الشعر في الغسل مشروع بلا شك لثبوته من فعله صلى الله عليه وسلم وصفته كما أخبرت عائشة رضي الله عنها أن يأخذ الماء ثم يدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى أنه قد استبرأ حثى على رأسه ثلاث حثيات، قال في حاشية الروض: ولا خلاف في مشروعية تخليل الشعر بالماء في الغسل ويجب إيصال الماء إلى جميعه وجميع البشرة إجماعا. انتهى. وأما تخليل الأصابع فهو واجب إن كان الماء لا يصل إلى ما بينها إلا بالتخليل وإن كان يصل إلى ما بينها بغير تخليل لم يجب. قال النووي: قال أصحابنا: إن كانت أصابع رجليه منفرجة استحب التخليل ولا يجب وحديث لقيط محمول على الاستحباب أو على ما إذا لم يصل الماء إلى ما بينها إلا بالتخليل، وإن كانت ملتفة وجب إيصال الماء إلى ما بينها، ولا يتعين في إيصاله التخليل بل بأي طريق أوصله حصل الواجب ويستحب مع إيصاله التخليل فالتخليل مستحب مطلقا وإيصال الماء واجب. انتهى.
ويكون تخليل أصابع اليدين بتشبيكهما وتخليل أصابع الرجلين بخنصر يده اليسرى، كما اختاره كثير من الفقهاء، والواجب في الغسل كما مر هو إيصال الماء إلى جميع البدن، ولا يجب الدلك في قول جماهير العلماء خلافا لمالك رحمه الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين الماء على سائر بدنك. أخرجه مسلم وهو واضح جدا في عدم وجوب الدلك. فإذا كان هذا القول هو قول الجمهور وهو الأقوى في الدليل فلا حرج عليك البتة في الأخذ به، بل إن الأخذ به هو المتعين عليك حتى تدفع عن نفسك داء الوسوسة العضال. نسأل الله لك ولجميع المبتلين العافية.
واعلم أن مذهب مالك رحمه الله هو أن الماء لا ينجس إلا بالتغير وهو مذهب قوي من حيث الدليل وفيه رفق بالمكلفين فلا حرج عليك في العمل به سيما وأنت مصاب بهذا الداء، فإذا عملت بقول مالك وهو أن الماء لا ينجس إلا بالتغير، وهو الذي يختاره شيخ الإسلام ابن تيمية زال عنك الإشكال، وكانت هذه الثياب محكوما بطهارتها لكونها غسلت بماء طاهر مادام هذا الماء غيرمتغير بالنجاسة.
وأما ما ذكرته من أثر المني فإن المني طاهر عند كثير من أهل العلم فلا يضر بقاؤه ولا بقاء أثره في الثياب، ولو فرضنا أنه تقدمه خروج المذي فإن المذي يطهر بنضح الثياب على الراجح. وهو مذهب أحمد رحمة الله. وانظر الفتوى رقم: 50657، فلأن يطهر بالغسل من باب أولى.
وأما إذا استيقظت ووجدت أثرا للمني وغلب على ظنك أنه أثر احتلام سابق قد اغتسلت منه فلا غسل عليك لأن الاصل هو عدم الحدث فمع الشك فيه يستصحب الأصل وهو الطهارة، فإذا وجدت غلبة الظن كان استصحاب الطهارة من باب أولى وأحرى.
والله أعلم.