السؤال
هل يأثم الإنسان إذا لم يكن يشعر بحبه لأبيه وأمه الذي قد يكون تولد عنده من شعوره بظلمهما له في كثير من المواقف التي يشعر فيها بخطئهما، والذي يراه جميع الناس كذلك لكنهما لا يتقبلان حتى النصيحة، وإن فعلت عكس ما يرون يعتبرونك عاقا لهما ؟ علما بأنه بار بهما حسب ما يرى هو وحسب ما يرى جميع الناس من حولهم ؟ ولكن الأب والأم لا يشعران كثيرا بهذا البر ويصرحان أحيانا بتقصير ولدهما نحوهما ؟ وهل يحق للأم أن تمنع ابنها من زيارة خالته لخلاف بينها وبين أمه ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا ريب أن بر الوالدين والإحسان إليهما من الأمور الواجبة المتحتمة، ولا فرق في ذلك بين كون الوالدين محسنين لأولادهما أو مسيئين لهما, فإن الله سبحانه قد أوجب الإحسان إليهما حتى وإن كانا كافرين وبرهان هذا قوله تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا. {لقمان:15}. وما رواه مسلم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله قدمت علي أمي وهي مشركة راغبة أفأصل أمي، قال: نعم، صلي أمك.
فلا تضجر – رحمك الله - من قسوة والديك معك، والزم الصبر على تصرفاتهما، وصاحبهما بالمعروف ولو أساءا لعظم حقهما عليك، ونذكرك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم وقد جاءه رجل وسأله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال "أمك" قال ثم من؟ قال: "أمك" قال ثم من؟ قال "أمك" قال ثم من؟ قال: " أبوك. رواه البخاري ومسلم.
أما ما تجده في صدرك من ضيق وحرج تجاههما فهذا لا حرج فيه إن لم يصحبه إساءة ظاهرة فإن الله سبحانه تجاوز لهذه الأمة ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل، ولكن عليك بمجاهدة نفسك في هذا الأمر حتى لا يكون ضيق صدرك منهما بابا من أبواب الشيطان للإساءة إليهما, ومما يعينك على ذلك أن تذكر ما بذلاه لك خصوصا حال صغرك من تربية ورعاية وحرص على مصالحك وقد كنت حينئذ طفلا صغيرا لا تملك لنفسك جلب مصلحة ولا دفع مضرة.
أما ضابط البر والعقوق فيرجع في تحديده إلى الشرع حسب ما بينه علماء الأمة وقد لخص صاحب كتاب "سبل السلام ضابط العقوق بقوله ": وضابط العقوق المحرم كما نقل خلاصته عن البلقيني وهو أن يحصل من الولد للأبوين أو أحدهما إيذاء ليس بالهين عرفا، فيخرج من هذا ما إذا حصل من الأبوين أمر أو نهي فخالفهما بما لا يعد في العرف مخالفته عقوقا فلا يكون ذلك عقوقا. انتهى.
وقد سبق أن بينا ضابط العقوق في الفتوى رقم: 73463 . ومنه يعلم ضابط البر والإحسان .
أما منع الأم ابنها من صلة خالته وزيارتها لخصومة بينهما فهذا لا يجوز، ولا يجوز للابن طاعة أمه في ذلك لما تقرر أن الطاعة إنما تكون في المعروف وهي إنما تأمره بقطع رحمه وهذا ليس من المعروف في شيء .
قال العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله: ....وحيث نشأ أمر الوالد أو نهيه عن مجرد الحمق لم يلتفت إليه أخذا مما ذكره الأئمة في أمره لولده بطلاق زوجته، وكذا يقال في إرادة الولد لنحو الزهد ومنع الوالد له أن ذلك إن كان لمجرد شفقة الأبوة فهو حمق وغباوة فلا يلتفت له الولد في ذلك. انتهى.
ولكن إن خاف الابن غضب أمه بسبب صلة خالته فعليه أن يصلها سرا بحيث لا تعلم الأم, وبذا يجمع بين بره بأمه وصلته لخالته. ثم إننا ننصحه بالسعي في الإصلاح بين أمه وخالته.
والله أعلم.