الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد تضمن سؤالك عدة مسائل ونحن نبينها إن شاء الله.
أولا: انتقالك من مكانك إلى مكان آخر لتتمكن من سماع الخطبة ليس فيه محظور وليس هو من اللغو المنهي عنه بشرط ألا يتضمن انتقالك هذا أذية للمسلمين بتخطي رقابهم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من غلبه النعاس في الخطبة أن يتحول عن مكانه ويجلس في غيره، فدل على أن هذه الحركة لا تمنع إذا كانت لتحقيق مقصود شرعي، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا نعس أحدُكم في المسجدِ يومَ الجمعةِ فليتحولْ من مَجْلِسِه ذلك. رواه أحمد والترمذي.
ثانيا: تخطي الرقاب يوم الجمعة منهي عنه، لما رواه أبو داود وغيره من قول النبي صلى الله عليه وسلم للذي تخطى الرقاب يوم الجمعة: اجلس فقد آذيت وآنيت. وأذية المسلمين محرمة لقوله تعالى: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا.
قال ابن عبد البر: وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتخطي يوم الجمعة : (آذيت) بيان أن التخطي أذى ، ولا يحل أذى مسلم بحال ، في الجمعة وغير الجمعة. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين: تخطي الرقاب حرام حال الخطبة وغيرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل رآه يتخطى رقاب الناس : (اجلس فقد آذيت) ويتأكد ذلك إذا كان في أثناء الخطبة ؛ لأن فيه أذيةً للناس، وإشغالاً لهم عن استماع الخطبة. انتهى.
لكن اختلف العلماء في حكم تخطي الرقاب في يوم الجمعة لسد فرجة في الصف، فأجازه كثير منهم ومنعه بعضهم.
قال النووي في شرح المهذب: وإن كان غير إمام ورأى فرجة قدامهم لا يصلها إلا بالتخطي قال الاصحاب: لم يكره التخطي لأن الجالسين وراءها مفرطون بتركها، وسواء وجد غيرها أم لا، وسواء كانت قريبة أم بعيدة، لكن يستحب إن كان له موضع غيرها أن لا يتخطى وإن لم يكن موضع وكانت قريبة بحيث لا يتخطى أكثر من رجلين ونحوهما دخلها وإن كانت بعيدة ورجا أنهم يتقدمون إليها إذا أقيمت الصلاة يستحب أن يقعد موضعه ولا يتخطى وإلا فليتخط. انتهى.
وفي المغني لابن قدامة: فصل : فإن رأى فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي ففيه روايتان إحداهما له التخطي قال أحمد : يدخل الرجل ما استطاع ولا يدع بين يديه موضعا فارغا، فإن جهل فترك بين يديه خاليا فليتخط الذي يأتي بعده ويتجاوزه إلى الموضع الخالي فإنه لا حرمة لمن ترك بين يديه خاليا وقعد في غيره. وقال الأوزاعي : يتخطاهم إلى السعة. وقال قتادة : يتخطاهم إلى مصلاه. وقال الحسن : تخطوا رقاب الذين يجلسون على أبواب المساجد فإنه لا حرمة لهم. وعن أحمد رواية أخرى إن كان يتخطى الواحد والاثنين فلا بأس لأنه يسير فعفي عنه وإن كثر كرهناه وكذلك قال الشافعي؛ إلا أن لا يجد السبيل إلى مصلاه إلا بأن يتخطى فيسعه التخطي إن شاء الله تعالى. انتهى.
ثالثا في المنع من الكلام إذا كنت لا تسمع الخطبة قولان للعلماء.
قال ابن قدامة في الشرح: ولا فرق -أي في المنع من الكلام حال الخطبة- بين القريب والبعيد لعموم ما ذكرناه. وقد روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: من كان قريبا يسمع وينصت ومن كان بعيدا ينصت فإن للمنصت الذي لا يسمع من الحظ ما للسامع، وقال القاضي: يجب الإنصات على السامع ويستحب لمن لا يسمع لأن الإنصات إنما وجب لأجل الاستماع والأول أولى لعموم النصوص. انتهى باختصار.
والمعتمد عند الحنابلة عدم تحريم الكلام إذن.
قال في مطالب أولي النهى: ( وحرم كلام ولو ) كان الكلام ( لتسكيت غيره والإمام يخطب ولو حال تنفسه ) أي : الإمام لأنه في حكم الخطبة . ( وهو ) أي : المتكلم ( منه ) أي : الإمام ( بحيث يسمعه ) أي : الإمام لقوله تعالى: ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ). قال أكثر المفسرين : إنها نزلت في الخطبة . وسميت قرآنا لاشتمالها عليه، ولخبر الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا : إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت ؛ فقد لغوت واللغو : الإثم . وحديث : من قال : صه ؛ فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له. رواه أحمد وأبو داود . ومعنى لا جمعة له أي : كاملة . ( وإلا ) يسمع الخطيب ولا همهمته لبعده عنه ؛ ( فلا ) يحرم عليه الكلام وحينئذ فاشتغاله بالقراءة والذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل. انتهى.
فلو عملت بالأحوط وتركت الكلام وإن كنت لا تسمع الإمام كان ذلك أحسن.
والله أعلم.