السؤال
ذهب الشيخ محمد عبده إلى أن المراد بقوله (اضربوه ببعضها) يعود على المتهم بالقتل، والضمير في (ببعضها) يعود إلى جثة المقتول، لأن ذلك يرهبه ويملك شعوره، فتبدر منه بوادر تنبئ عن فعلته، والمراد بإحياء الموتى في الآية: حفظ الدماء، فهل يصح هذا التفسير؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الضمير في قوله تعالى (اضربوه) يرجع للقتيل، وفي قوله سبحانه (ببعضها) يرجع للبقرة، والمراد بإحياء الموتى هو بعثهم بعد الموت. هذا هو الصحيح في تفسيرها، ولا يصح تفسيرها بضرب القاتل ببعض جثة القتيل، وقد روي عن بعض السلف بيان العضو الذي ضرب به القتيل فحيى بإذن الله وتكلم وذكر من قتله.
قال ابن كثير في تفسيره: فقلنا اضربوه ببعضها.. هذا البعض أي شيء كان من أعضاء هذه البقرة فالمعجزة حاصلة به وخرق العادة به كائن، وقد كان معيناً في نفس الأمر، فلو كان في تعيينه لنا فائدة تعود علينا في أمر الدين أو الدنيا لبينه الله تعالى لنا، ولكن أبهمه، ولم يجئ من طريق صحيح عن معصوم بيانه فنحن نبهمه كما أبهم الله.
ولهذا قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إن أصحاب بقرة بني إسرائيل طلبوها أربعين سنة حتى وجدوها عند رجل في بقر له، وكانت بقرة تعجبه، قال: فجعلوا يعطونه بها فيأبى، حتى أعطوه ملء مسكها دنانير، فذبحوها فضربوه -يعني القتيل- بعضو منها، فقام تشخب أوداجه دما (فسألوه) فقالوا له: من قتلك؟ قال: قتلني فلان. وكذا قال الحسن وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم إنه ضرب ببعضها. وفي رواية عن ابن عباس: إنهم ضربوه بالعظم الذي يلي الغضروف.
وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر، قال: قال أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة: ضربوا القتيل ببعض لحمها، وقال معمر: قال قتادة: فضربوه بلحم فخذها فعاش، فقال: قتلني فلان.
وقال أبو أسامة عن النضر بن عربي، عن عكرمة: فقلنا اضربوه ببعضها. قال: فضرب بفخذها فقام، فقال: قتلني فلان، قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد وقتادة ونحو ذلك. وقال السدي: فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين فعاش، فسألوه: فقال: قتلني ابن أخي. وقال أبو العالية: أمرهم موسى عليه السلام أن يأخذوا عظماً من عظامها، فيضربوا به القتيل ففعلوا: فرجع إليه روحه، فسمى لهم قاتله ثم عاد ميتاً كما كان.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: فضربوه ببعض آرابها، وقيل: بلسانها، وقيل: بعجب ذنبها. وقوله: كذلك يحيي الله الموتى. أي: فضربوه فحيى. ونبه تعالى على قدرته وإحيائه الموتى بما شاهدوه من أمر القتيل: جعل تبارك وتعالى ذلك الصنع حجة لهم على المعاد، وفاصلاً ما كان بينهم من الخصومة والفساد، والله تعالى قد ذكر في هذه السورة ما خلقه في إحياء الموتى، في خمسة مواضع: ثم بعثناكم من بعد موتكم. وهذه القصة، وقصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، وقصة الذي مر على قرية وهي خاية على عروشها. وقصة إبراهيم والطيور الأربعة. انتهى.
وأما التفسير المذكور فهو بعيد كل البعد، ولا نعلم قائلاً به ممن تقدم من المفسرين.
والله أعلم.