السؤال
أورد لي أحدهم حديثا: أن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم خير لنا وأن أعماله تعرض على العباد وعندما بحثت عن الحديث وجدت أن بعض العلماء صححه ـ كالسيوطي وغيره ـ فلم أستطع أن أحتج بالحديث، لأنه ضعيف للاختلاف فيه، فما قولكم في الحديث؟ وما معناه إن صحت الرواية؟ وهل ينكر على من خالف قولكم؟ أم أنها قضية خلافية؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد سبق أن ذكرنا هذا الحديث وأنه ضعيف، في الفتويين رقم: 27311، ورقم: 15882.
وهذا هو الراجح في الحكم على هذا الحديث، ويمكن مراجعة تفصيل ذلك في السلسلة الضعيفة برقم: 975. وفي الفتاوى الحديثية للحويني المنشورة في عدد محرم 1426هـ من مجلة التوحيد، وكذلك في كتاب الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات لطارق عوض الله، ص 365 : 368.
هذا، وقد قَبِل هذا الحديث جماعة من أهل العلم، فصححه السيوطي في الخصائص الكبرى وجوده الولي العراقي في طرح التثريب، وقال الهيثمي في المجمع: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. انتهى.
وقال الزين العراقي في تخريج الإحياء: رجاله رجال الصحيح إلا أن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد وإن أخرج له مسلم ووثقه ابن معين والنسائي فقد ضعفه كثيرون، ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث أنس بنحوه بإسناد ضعيف. اهـ.
فمن أداه اجتهاده من أهل العلم إلى الحكم بصحته، أو حسنه، فلا ينكر عليه، فإن هذا من الخلاف المعتبر الذي يدور المجتهد فيه بين أجر إن أخطأ، وأجرين إن أصاب، وأما معناه وما فيه من الإشكال، فقد سئل ابن حجر الهيتمي ـ كما في الفتاوى الحديثية ـ عن معنى هذا الحديث فقال: الإشكال إنما يأتي على تقدير خير أفعل تفضيل وليس كذلك، وإنما هي للتفضيل لا للأفضلية، نحو: أَفَمَن يُلْقَى فِى النَّارِ خَيْرٌ ـ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً، ففي كل من حياته وموته صلى الله عليه وسلم خير، إلا أن أحدهما أخير من الآخر، وخير يراد بها كل من الأمرين، فإن أريد بها مجرد التفضيل فضدها الشر، ولا حذف فيها، وتأنيثها خيرة، وجمعها خيرات، وهي الفاضلات من كل شيء، وإن أريد بها الأفضلية وصلت بمن وكان أصلها أخير حذفت همزتها تخفيفاً، ويقابلها شر التي أصلها أشر، ولا تؤنث ولا تثنى ولا تجمع. انتهى.
وقال المناوي في فيض القدير: أي حياتي في هذا العالم موجبة لحفظكم من الفتن والبدع والاختلاف، والصحب وإن اجتهدوا في إدراك الحق، لكن الأوفق الوفاق وغير المعصوم في معرض الخطإ ومماتي خير لكم، لأن لكل نبي في السماء مستقرا إذا قبض، كما دلت عليه الأخبار، فالمصطفى صلى الله عليه و سلم مستقر هناك يسأل الله لأمته في كل يوم، فبين بقوله: ومماتي خير لكم ـ عدم انقطاع النفع بالموت، بل الموت في وقته أنفع ولو من وجه، ومن فوائده فتح باب الاجتهاد وترك الاتكال والمشي على الاحتياط وغير ذلك. اهـ.
وقال القاضي عياض في الشفا: قال أبو بكر محمد بن طاهر: زين الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بزينة الرحمة فكان كونه رحمة وجميع شمائله وصفاته رحمة على الخلق، فمن أصابه شيء من رحمته فهو الناجي في الدارين من كل مكروه والواصل فيهما إلى كل محبوب، ألا ترى أن الله تعالى يقول: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ـ فكانت حياته رحمة ومماته رحمة، كما قال صلى الله عليه وسلم: حياتي خير لكم وموتى خير لكم. وكما قال عليه الصلاة والسلام: إذا أراد الله رحمة بأمة قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا. انتهى.
وهذا الحديث الأخير رواه مسلم بلفظ: إن الله عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها، وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حي فأهلكها وهو ينظر فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره.
والله أعلم.