السؤال
كنت أريد أن أسأل عن صحة هذا الحديث، ورقمه: 398، أهو حديث مرفوع؟ أم حديث موقوف؟ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا قَالَ: وَأَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ، نا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَزَّازُ، نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ شَدَّادٍ أَبِي طَلْحَةَ الرَّاسِبِيِّ، حَدَّثَنِي غَيْلانُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيَجِيئَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ فَيَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ، وَيَضَعُهَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن هذا الحديث مختلف في صحته، فقد رواه مسلم في صحيحه، ولكن ضعفه البيهقي وتابعه الذهبي وابن حجر والألباني قال في التلخيص: شداد بن سعيد الراسبي له مناكير. انتهى.
وقد صححه الألباني في صحيح الجامع ثم تراجع وأعله بالشذوذ في السلسلة الضعيفة.
وقال البيهقي في شعب الإيمان: وأما حديث شداد أبي طلحة الراسبي عن غيلان بن جرير عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب مثل الجبال يغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى - فيما أحسب أنا - قاله بعض رواته.
فهذا حديث شك فيه راويه، وشداد أبو طلحة ممن تكلم أهل العلم بالحديث فيه وإن كان مسلم بن الحجاج استشهد به في كتابه فليس هو ممن يقبل منه ما يخالف فيه، والذين خالفوه في لفظ الحديث عدد وهو واحد وكل واحد ممن خالفه أحفظ منه فلا معنى للاشتغال بتأويل ما رواه مع خلاف ظاهر ما رواه الأصول الصحيحة الممهدة في ـ ألا تزر وازرة وزر أخرى. والله أعلم. انتهى.
وقد حمله النووي على المجاز فأوله بأن الله تعالى يغفر تلك الذنوب للمسلمين ويسقطها عنهم ويضع على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم وذنوبهم فيدخلهم النار بأعمالهم لا بذنوب المسلمين، ففي شرح النووي على مسلم: وأما رواية: يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب ـ فمعناه أن الله تعالى يغفر تلك الذنوب للمسلمين ويسقطها عنهم ويضع على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم وذنوبهم فيدخلهم النار بأعمالهم لا بذنوب المسلمين، ولا بد من هذا التأويل، لقوله تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى ـ وقوله: ويضعها ـ مجاز والمراد يضع عليهم مثلها بذنوبهم كما ذكرناه، لكن لما أسقط سبحانه وتعالى عن المسلمين سيئاتهم وأبقى على الكفار سيئاتهم صاروا في معنى من حمل إثم الفريقين، لكونهم حملوا الإثم الباقي وهو إثمهم ويحتمل أن يكون المراد آثاما كان للكفار سبب فيها بأن سنوها فتسقط عن المسلمين بعفو الله تعالى ويوضع على الكفار مثلها لكونهم سنوها، ومن سن سنة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها. انتهى.
وقد ذكر ـ أيضا ـ ابن حجر المعنى الذي قاله النووي وضعف الحديث ونقل تضعيفه عن البيهقي فقال في فتح الباري: في حديث الباب ـ يعني قوله صلى الله عليه وسلم: من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها ـ وما بعده دلالة على ضعف الحديث الذي أخرجه مسلم من رواية غيلان بن جرير عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه رفعه: يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال يغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى ـ فقد ضعفه البيهقي وقال: تفرد به شداد أبو طلحة، والكافر لا يعاقب بذنب غيره، لقوله تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى ـ وأما رواية غيلان بن جرير: فأولها النووي ـ أيضاً ـ تبعاً لغيره بأن الله يغفر تلك الذنوب للمسلمين، فإذا سقطت عنهم وضعت على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم فيعاقبون بذنوبهم لا بذنوب المسلمين ويكون قوله: ويضعها ـ أي يضع مثلها، لأنه لما أسقط عن المسلمين سيئاتهم وأبقى على الكفار سيئاتهم صاروا في معنى من حمل إثم الفريقين، لكونهم انفردوا بحمل الإثم الباقي وهو إثمهم، ويحتمل أن يكون المراد آثاما كانت الكفار سببها فيها بأن سنوها فلما غفرت سيئات المؤمنين بقيت سيئات الذي سن تلك السنة السيئة باقية، لكون الكافر لا يغفر له فيكون الوضع كناية عن إبقاء الذنب الذي لحق الكافر بما سنه من عمله السيء ووضعه عن المؤمن الذي فعله بما من الله به عليه من العفو والشفاعة سواء كان ذلك قبل دخول النار، أو بعد دخولها والخروج منها بالشفاعة، وهذا الثاني أقوى والله أعلم. انتهى.
والله أعلم.