الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبداية ننبه السائل الكريم على أن مديره أو غيره من المسؤولين لا يخول لهم أن يسمحوا بالغياب بدون عذر , والحقيقة أن هذا من التجاوز والتعدي على الأمانة . فإن كان هذا المدير يعمل ذلك مع غيرك دونك, فهو ظالم لنفسه ولمن سمح له بالغياب دون عذر, وليس في ذلك ظلم لك. وقس على ذلك بقية التصرفات , فإن كان يعاملك بما تقتضيه الأمانة ويعامل غيرك بالمحاباة والتجاوز , فليس في هذا ظلم لك, بل هو ظلم لنفسه ولمن حاباه على حساب أمانة العمل .
وأما إن كان يمنعك حقك, أو يحملك ما لا تطيق من العمل دون غيرك من زملائك , ونحو ذلك, فهذا لا شك أنه من الظلم الذي يبيح لك شكايته ورفع أمره للمسؤولين ؛ طلبا للعدل وإحقاقا للحق , قال تعالى : لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمً {النساء:148} .
قال السعدي : يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول , أي : يبغض ذلك ويمقته ويعاقب عليه , ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة التي تسوء وتحزن ..وقوله : إلا من ظلم . أي : فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويتشكى منه , ويجهر بالسوء لمن جهر له به , من غير أن يكذب عليه ولا يزيد على مظلمته. اهـ.
وأما عن كيفية التعامل مع مثل هذا المدير , فينبغي أولا أن تبذل له النصيحة , سواء في ما يتعلق به من ترك الصلاة وغير ذلك من المنكرات , أو ما يتعلق بالعمل وتضييع الأمانة فيه . فإن لم يستجب فلا حرج في رفع أمره لرؤسائه , من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وراجع الفتوى رقم : 57732.
وأما مقولة : الساكت عن الحق شيطان أخرس. فننبه السائل على أنها لا تتناول سكوت المسلم عن حقه وتنازله عنه , وإنما الحق الذي لا يجوز السكوت عنه هو ما يجب على المرء من إنكار المنكر إذا رأى محارم الله تنتهك , ما دام له قدرة على التغيير، ولم يلحقه ضرر يعذر به عن الإنكار , وراجع الفتاوى التالية : 119678, 58360, 126181.
وأخيرا ننصح السائل بتوخي الحكمة في معالجة هذا الأمر , والموازنة بين المصالح والمفاسد , كما ننصحه بتقديم الاستخارة واستشارة الأمناء الثقات من أصحابه .
وراجع لتمام الفائدة الفتوى رقم : 30022.
والله أعلم .