الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العذر مسقط لوجوب الشرط الجزائي

السؤال

كنت أعمل بإحدى الشركات العالمية بدولة من دول الخليج، ومنذ أقل من عامين انتقلت إلى عمل جديد، والتحقت بشركة ضمن مجموعة شركات ناجحة في موطني الأصلي.
ونظرا لعدم استقرار الأوضاع في بلدي ولأنني تركت عملي المستقر والناجح بأحد الشركات العالمية فقد اتفقت مع صاحب مجموعة الشركات وقت تعييني على وضع شرط جزائي في العقد المبرم بيني وبين الشركة نصه كالتالي:
"يلتزم الطرفان بالعقد لمدة لا تقل عن سنتين، وفي حالة المخالفة يدفع الطرف المتسبب للطرف المتضرر مبلغا وقدره راتب ستة شهور كتعويض له عن ذلك.
وفي خلال الفترة الماضية واجهت الشركة التي أعمل بها خسائر متكررة بسبب ارتفاع تكلفة الانتاج وعدم القدرة على توفير المنتجات بأسعار تناسب السوق المحلية، و بناء على هذا وقبل انقضاء فترة العامين (المنصوص عليها في العقد) بشهر ونصف اجتمع مجلس إدارة مجموعة الشركات وقرر إعادة النظر وبحث إمكانية الاستمرار في هذا النشاط أو غلقه تماما، كما قرروا تقليص العمالة إلى الحد الأدنى ووقف التعامل مع السوق لحين البت في موقف الشركة. وكنت أنا أحد الذين تم الاستغناء عن خدماتهم.
وتم صرف مكافأة نهاية خدمة/تعويض للموظفين المتضررين عبارة عن راتب شهر عن كل سنة خدمة في الشركة + راتب نصف شهر للتضرر، وعلى هذا تم صرف راتب شهرين ونصف لي كتعويض (لأنني أمضيت سنتين إلا خمسة وأربعين يوما بالشركة).
ولما طالبت بقيمة الشرط الجزائي المنصوص عليه في عقدي ومقداره راتب ستة أشهر (نظرا لأن فترة السنتين لم تكتمل) قيل لي "أنت لا تستحق أي مبالغ إضافية للأسباب التالية":
· منطق الشركة: "باقي من فترة عقدك أقل من شهرين وقد أعطيناك راتب شهرين كتعويض، وعلى هذا يعتبر الموقف كما لو أنك استمريت معنا هذين الشهرين وأتممت فترة تعاقدك وقبضت راتبك عنهما وعلى هذا لا تستحق قيمة الشرط الجزائي"
· ردي: "هذا لم يُتفق عليه و لم يُنَص عليه في العقد وصياغة العقد واضحة وقد تم صياغتها من طرف الشركة وليس من طرفي، والمسلمون عند شروطهم "ولو كان هذا صحيحا لكان نص العقد "يدفع المتسبب باقي مبلغ العقد للطرف المتضرر"وهل لو كان حدث هذا الموقف قبل انقضاء فترة العقد بعشر شهور هل كانت الشركة ستقوم بتعويضي بمبلغ راتب عشرة شهور أم كانت ستلتزم بنص العقد؟
· منطق الشركة: "هذا الشرط ينطبق لو أن الشركة مستمرة في نشاطها إنما الموقف الآن أن الشركة تخسر وموقفها المالي ضعيف وفي طريقها للإغلاق
ردي: "الشركة في طريقها للإغلاق لبيان عدم جدوى هذا النشاط عدم تحقيقه أرباح ولم تعلن إفلاسها وأصولها بالملايين، وليس عليها أي ديون سوى مستحقات العاملين وهي تقدر ببعض مئات الآلاف، كما أن باقي شركات المجموعة موقفها المالي جيد جدا"
على ضوء ما سبق أرجو بيان الحكم الشرعي في هذا الموقف وهل يحق لي شرعاً المطالبة بقيمة الشرط الجزائي أم لا، علما بأن العقد المبرم بيننا هو عقد ودي وليس مسجلا في إدارة العمل وعلى هذا لا يمكن المطالبة بأي من بنوده عن طريق المحاكم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالذي يظهر لنا أنه ليس من حق السائل المطالبة بقيمة الشرط الجزائي لعدة أسباب، من أهمها أن الحكم بالشرط الجزائي يختلف بحسب وجود العذر وعدمه، فإن وُجد سقط وجوبه لحين زوال العذر. وكذلك يلزم مراعاة أن الشرط الجزائي لا يصح اتخاذه سبيلا للتربح بل لابد من حصره في معنى التعويض عن ضرر فعلي.

وقد جاء في قرار (مجلس هيئة كبار العلماء) بعد بحث مسألة الشرط الجزائي: المجلس يقرر بالإجماع أن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر يجب الأخذ به، ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعا فيكون العذر مسقطا لوجوبه حتى يزول. وإذا كان الشرط الجزائي كثيرا عرفا بحيث يراد به التهديد المالي ويكون بعيدا عن مقتضى القواعد الشرعية فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف على حسب ما فات من منفعة أو لحق من ضرر. اهـ.

وجاء في قرار (مجمع الفقه الإسلامي) بشأن موضوع الشرط الجزائي في البند السادس: لا يعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شرط عليه أن إخلاله بالعقد كان بسبب خارج عن إرادته، أو أثبت أن من شرط له لم يلحقه أي ضرر من الإخلال بالعقد. اهـ.

وإذا نظرنا إلى الحال التي ذكرها السائل وجدنا أن للشركة شيئا من العذر في إيقاف نشاطها من ناحية، ومن ناحية أخرى وجدنا أن السائل لم يلحقه أي ضرر من الإخلال بالعقد. وأن الشركة وفت له بالمدة حيث دفعت إليه راتب ما بقي من مدة العقد، وأيضا مكافأة نهاية الخدمة فبم يستحق إذا الشرط الجزائي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني