السؤال
عندي سؤالان:
أما الأول عن الآية الكريمة: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ. فهل المقصود أني لو جلست مع أناس يستهزئون بالدين، مع العلم أني أنكرت بلساني وبقلبي ما يقولون وكرهته لكني لم أخرج وقعدت معهم. فهل يعتبر هذا كفرا والعياذ بالله؟ ونفس الآية الكريمة لكن في حالة إن كانت على التلفاز حدث نفس الشيء كرهتها وأنكرتها لكني لم أطفئ الجهاز لأني لم أكن وحدي. فهل أعتبر مرتدا في أي الحالتين والعياذ بالله؟ وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجب عليك إذا استهزأ أحد بالدين وأنت جالس أن تنكر عليه ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره. فإذا أنكرت المنكر بلسانك فقد فعلت ما عليك، فإن لم ينتهوا عن منكرهم وعلمت أن الإنكار غير مجد فيهم وجب عليك أن تفارقهم، لقوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ.. {النساء:140}، فإن جالستهم مع قدرتك على مفارقتهم أو اكتفيت بالإنكار بالقلب ولم تنكر المنكر بلسانك كان ذلك معصية منك توجب التوبة إلى الله تعالى، ولا يعد ذلك كفراً ما دمت كارهاً للمنكر بقلبك، وكذا إذا سمعت منكراً أو شاهدته في التلفاز وجب عليك مفارقة ذلك المجلس إن لم تستطع الإنكار على الجالسين أو أنكرت عليهم فلم ينتهوا.
ولا تكون مجالستك لهم كفراً إن كنت كارهاً للمنكر بقلبك وإنما هي معصية كما مر، فإن المسلم لا يصير كافراً بمجرد مجالسته من يستهزئ بالدين ويستخف بآيات الله إذا أنكر عليه أو كره ذلك بقلبه، وإنما يكون عاصياً إن استطاع مفارقة هذا المجلس الذي يستهزأ فيه بآيات الله ولم يفعل، وأما قوله تعالى: (إنكم إذاً مثلهم) فقد ورد مورد التغليظ والتشديد عليهم وأن يحرصوا على مفارقة هذه المجالس، وبه يتبين لك أنك لم تخرج من الملة بما ذكرت.
قال الطاهر بن عاشور رحمه الله في تفسير قوله تعالى: إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ: والظاهر أن فريقاً من المؤمنين كانوا يجلسون هذه المجالس فلا يقدمون على تغيير هذا ولا يقومون عنهم تقية لهم فنهوا عن ذلك، وهذه المماثلة لهم خارجة مخرج التغليظ والتهديد والتخويف، ولا يصير المؤمن منافقاً بجلوسه إلى المنافقين، وأريد المماثلة في المعصية لا في مقدارها، أي أنكم تصيرون مثلهم في التلبس بالمعاصي. انتهى.
وقال القرطبي: وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات، ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة كما قال: فكل قرين بالمقارن يقتدي. انتهى.
والله أعلم.