السؤال
نحن أسرة محافظة، وتسكن معنا جدتي وخالتي من قديم الزمان والحمد لله، انتقلت جدتي إلى خالقها قبل يومين، ونحن اليوم في ثاني أيام العزاء.
أوصت بوصية وهي أن يتم تقديم ما لديها من المال في اليوم الثالث لعزائها كعشاء لها، فهل هنالك أي ذنب أو حرج في ذلك؟
1 - هل يجوز أن نقدم العشاء للناس في هذا اليوم.
2 - هل يجوز إنفاق مالها في العشاء والتصدق به وهذه وصيتها؟
3 - هل يجوز إذا نقص مالها أن يكمله أهل بيتها في العشاء؟
4 - وهل يجوز لأحفادها من بناتها أن يكملوا عنها الوصية في تقديم العشاء؟ نرجو الإسراع في الرد.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل والسنة أن يعمل الجيران والأقرباء طعاما لأهل الميت، وألا يجتمع الناس عند أهل الميت، ويطعمهم أهل الميت لما في الحديث عن عبد الله بن جعفر قال : لما جاء نعي جعفر حين قتل قال النبي صلى الله عليه وسلم : اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد أتاهم ما يشغلهم } رواه أصحاب السنن إلا النسائي.
وعن جرير بن عبد الله البجلي قال : كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة. رواه أحمد.
قال الشوكاني في النيل : قوله : ( اصنعوا لآل جعفر ) فيه مشروعية القيام بمؤنة أهل الميت مما يحتاجون إليه من الطعام لاشتغالهم عن أنفسهم بما دهمهم من المصيبة. قال الترمذي : وقد كان بعض أهل العلم يستحب أن يوجه إلى أهل الميت بشيء لشغلهم بالمصيبة وهو قول الشافعي. انتهى
قوله : ( كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت . . . إلخ ) يعني أنهم كانوا يعدون الاجتماع عند أهل الميت بعد دفنه، وأكل الطعام عندهم نوعا من النياحة لما في ذلك من التثقيل عليهم وشغلهم مع ما هم فيه من شغلة الخاطر بموت الميت وما فيه من مخالفة السنة؛ لأنهم مأمورون بأن يصنعوا لأهل الميت طعاما فخالفوا ذلك وكلفوهم صنعة الطعام لغيرهم. اهـ
وأما إن أوصي الميت بإطعام المعزين، ولم يكن هناك اجتماع لنياحة، وإنما يأتي الناس لتعزية مشروعة، فالأصل أنه يجوز تنفيذ وصيته من الثلث، ولا تجوز فيما زاد على الثلث؛ إلا إذا أجازه الورثة البالغون الراشدون، ولا حرج في تبرع أحد أقارب الميت بالمشاركة بماله الخاص في تكميل نقص.
فقد جاء في فتاوى الهيتمي: جعل الطعام للمعزين إن حمل على معصية كنياحة حرم مطلقا، وإن لم يكن فيه ذلك، فإن فعله أجنبي من غير إذن الورثة جاز ولم يرجع به عليهم؛ لأنه متبرع به، وكذا إذا فعله بعض الورثة من غير إذن الباقين، فلا رجوع له بشيء على بقية الورثة، ويحرم على وارث أو وصي جعله من التركة إذا كان في الورثة غير مكلف أو محجور عليه بسفه، وإذا أوصى الميت بفعله فإن كان على وجه حرام أو مكروه لم تنفذ وصيته، وإلا نفذت من الثلث إن لم تجز الورثة الزائد عليه فيفعله الوصي حينئذ. والله تعالى أعلم. اهـ
وإن كانت هناك بدعة أو نياحة تحصل في اليوم الثالث فلا يجوز امتثال أمر الموصية لما فيه من العون على المعصية.
فقد جاء في الفتاوى الهندية: ولو أوصى باتخاذ الطعام للمأتم بعد وفاته ويطعم للذين يحضرون التعزية، قال الفقيه أبو جعفر : يجوز ذلك من الثلث ويحل للذين يطول مقامهم عنده، وللذي يجيء من مكان بعيد، يستوي فيه الأغنياء والفقراء، ولا يجوز للذي لا يطول مسافته ولا مقامه، فإن فضل من الطعام شيء كثير يضمن الوصي وإن كان قليلا لا يضمن . وعن الشيخ الإمام أبي بكر البلخي - رحمه الله تعالى - رجل أوصى بأن يتخذ الطعام بعد موته للناس ثلاثة أيام. قالوا : الوصية باطلة . وعن أبي القاسم في حمل الطعام إلى أهل المصيبة والأكل عندهم قال : حمل الطعام في الابتداء غير مكروه لاشتغال أهل المصيبة بتجهيز الميت ونحوه، فأما حمل الطعام في اليوم الثالث لا يستحب؛ لأن في اليوم الثالث تجتمع النائحات فإطعامه في ذلك اليوم يكون إعانة على المعصية، كذا في فتاوى قاضي خان . اهـ
والله أعلم.