السؤال
سؤال عن موقف للإمام مالك رحمه الله مفاده : كان لأبٍ وأم أخوان، لكنهما كانا يفضلان الصغير على الكبير ، فغار الكبير، حتى أخذه فأرداه في جب ، فأتي به، فجاء الأبوان يستشفعان السلطان ألا يقتل ابنهما الثاني، فيصيران بلا ولد، فكاد السلطان أن ينزل على رغبتهما، إلا أن مالكا رحمه الله اعترض بقوة، بل وهدد بعد الفتوى والتحديث، إلا أن يقتل القاتل غيلة كما قتل أخاه. بحثت عنها طويلا. فهل يتيسر لكم جزاكم الله خيرا توثيق هذه القصة من الكتب المعتمدة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن من المعلوم من مذهب مالك أن قتل الغيلة لا عفو فيه، قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة مع شرحها: وقتل الغيلة لا عفو فيه : يعني لا للمقتول ولا للأولياء ولا للإمام لأن الحق فيه لله تعالى. ولو كان المقتول كافرا والقاتل حرا مسلما وظاهره ولو جاء تائباً وهو كذلك. اهـ
وهو ما درج عليه ابن جزي المالكي في القوانين الفقهية حيث قال: لا يجوز العفو عن القاتل غيلة وهي القتل على وجه المخادعة والحيلة، فإن عفا أولياء المقتول فإن الإمام يقتل القاتل.
وقال ابن القيم: وقطعا لأذى المخادعين وكفا لشرهم رأى الإمام مالك ومن وافقه أن القاتل غيلة يقتل مطلقا دفعا لشره، ولا يجوز للإمام العفو عنه، وقد استدل مالك على ذلك بقتل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- للحارث بن سويد الذي قتل المجذر بن زياد غيلة بعد ما اعتذر وتاب. وقصته في سنن البيهقي. وبما في الموطإ أن عمر قتل خمسة أو سبعة بواحد قتلوه غيلة. اهـ
وأما القصة المشار إليها فلم نقف عليها، ولكن مواقف الإمام مالك مع الحق مشهورة ومعروفة، فهو ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، ومن مواقفه المعروفة ودفاعه عن شريعة الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ما رواه غير واحد أنه - رحمه الله - لما ضربه والي المدينة وحلق شعره في طلاق المكره حمله على بعير أو على حمار ليطوف به في سكك المدينة فقيل له: ناد على نفسك فكان كلما مروا به على ملإ يقول: ألا من عرفني، فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا مالك بن أنس الأصبحي أقول: طلاق المكره ليس بشيء. ألا لا طلاق في إغلاق، ألا وإن أيمان البيعة باطلة. فبلغ ذلك جعفر بن سليمان الأمير، فقال: أدركوه، أنزلوه.
انظر حلية الأولياء وسير أعلام النبلاء.
ولذلك لا يستغرب من الإمام مثل هذه المواقف الناصرة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
والله أعلم.